رؤية 2030: كيف تصيغ الحروب الإقليمية ملامح طموحات محمد بن سلمان؟
مقالات
رؤية 2030: كيف تصيغ الحروب الإقليمية ملامح طموحات محمد بن سلمان؟
د. بدور الديلمي
14 أيار 2025 , 22:18 م


بقلم:د/ بدور الديلمي -اعلامية يمنية

عندما أُطلقت "رؤية السعودية 2030" في أبريل 2016 بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، بدت وكأنها وعد بانعتاق المملكة من اقتصاد الريع، وبداية لعهد انفتاح اقتصادي واجتماعي غير مسبوق. إلا أن هذا المسار لم يكن معزولًا عن سياق إقليمي ملتهب، تصاعدت فيه الحروب والنزاعات من اليمن إلى سوريا، ومن الخليج إلى غزة.

السؤال الذي يتفادى الكثيرون طرحه بوضوح:

ما العلاقة بين تلك الرؤية الطموحة، وبين الانخراط السعودي في الحروب والنزاعات، ودورها في إعادة تشكيل المنطقة؟

الاقتصاد أولًا: الحرب كأداة لإعادة التموضع

رؤية 2030 تعِد بتقليل الاعتماد على النفط، وتنمية قطاعات السياحة، الترفيه، والاقتصاد الرقمي. لكن تنفيذها يتطلب بيئة إقليمية مستقرة أو "مُعاد تشكيلها"، بما يخدم مصالح الرياض الاقتصادية. من هنا، يرى مراقبون أن بعض التحركات العسكرية والسياسية للمملكة في السنوات الماضية ليست فقط دفاعًا عن أمنها القومي، بل أيضًا أدوات لإعادة تموضع اقتصادي وجيوسياسي يخدم الرؤية.

مثال على ذلك:

الحرب في اليمن، التي بدأتها السعودية قبل إعلان الرؤية ببضعة أشهر، تحوّلت من "عاصفة حزم" عسكرية إلى محاولة لحماية العمق الجنوبي من أي نفوذ إيراني، وبالتالي تأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب، باعتبارهما بوابتين أساسيتين لمشاريع لوجستية وسياحية ضخمة ضمن الرؤية.

نيوم... بين الحلم والصراعات

من أبرز ملامح الرؤية مشروع "نيوم"، المدينة المستقبلية على سواحل البحر الأحمر، والتي تتطلب استقرارًا طويل الأمد في شمال غرب المملكة، وتأمينًا كاملًا للحدود البحرية مع مصر والأردن وفلسطين المحتلة. هذا يفسر الانخراط السعودي المتزايد في ترتيبات التطبيع غير المعلن مع الكيان الإسرائيلي، باعتباره شريكًا محتمَلًا في الاستثمار والأمن الإقليمي.

لكن المفارقة أن هذه الخطوات تضع السعودية في مواجهة شعوب المنطقة، لا سيما في ظل اشتعال الجبهات في غزة، وتوسع محور المقاومة، مما قد يهدد الشرعية الشعبية لأي تعاون إقليمي خارج سياق القضية الفلسطينية.

التحول الاجتماعي مقابل صمت سياسي؟

رؤية 2030 لا تقتصر على الاقتصاد، بل تتضمن إصلاحات اجتماعية مثيرة للجدل، مثل تمكين المرأة، تقليص سلطة المؤسسة الدينية، وفتح البلاد أمام الترفيه الغربي. في المقابل، رُصد تراجع ملحوظ في الحريات السياسية، واعتقال العشرات من النشطاء والمفكرين، في محاولة لفرض نمط جديد من الحكم يربط الولاء بالرؤية لا بالمجتمع أو الدين.

يرى البعض أن انشغال الداخل السعودي بتحولات اجتماعية واقتصادية كبرى يتزامن مع انخراط إقليمي مدروس، يهدف إلى تصفير المشاكل أو شرائها، تمهيدًا لمشروع الدولة ما بعد النفط.

حروب المنطقة... بوابة للنفوذ أم فخ للاستنزاف؟

في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى جذب الاستثمارات، تواجه المنطقة حالة من السيولة الجيوسياسية:

صراع مستمر في اليمن، دون أفق حقيقي للحل.

مواجهات بين المقاومة والاحتلال في غزة.

تمدد إيراني في العراق وسوريا ولبنان.

تقارب سعودي-إسرائيلي حذر، يصطدم برفض شعبي عربي عارم.

يطرح محللون احتمال أن تكون الرؤية الطموحة رهينة لاستقرار لم يتحقق بعد، بل وقد تكون عرضة للفشل في حال تصاعدت المواجهات العسكرية، أو انزلقت المنطقة نحو حروب أوسع.

في الختام: الرؤية على مفترق طرق

رؤية 2030 ليست مجرد خطة اقتصادية؛ إنها مشروع حكم جديد، يعتمد على تغيير هوية الدولة، وتحقيق قفزة نحو ما يسمى "السعودية الجديدة".

لكن هذا المشروع الطموح يصطدم بجغرافيا ملتهبة، وتاريخ من الأزمات التي لا تُحل بالشراكات الاقتصادية وحدها.

ومع استمرار العدوان على غزة، وتوسع دائرة الفعل المقاوم، يبدو أن العلاقة بين الطموح الاقتصادي والسلام الإقليمي باتت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. فهل تستطيع السعودية بناء مستقبل اقتصادي مستقر في منطقة تتجاذبها الحروب والمقاومات؟ أم أن الرؤية، في النهاية، ستبقى معطّلة في انتظار تسويات كبرى تتجاوز حتى حدودها؟

بقلم / الاعلامية بدور الديلمي اليمن

المصدر: موقع إضاءات الإخباري