جورج حدادين
لفهم سيرورة تشكل حضارة الأمة، أي امه، يجب الاستناد الى قانون التراكم العلمي ، الذي يسري على كافة مجالات النشاط البشري: الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية والروحية، حيث التطور من البسيط الى المعقد، ومن البدائي الى الحداثي، ومن الماضي الى الحاضر، ومن الصفر الى ما لا نهاية، بين صعود وهبوط.
الحضارة هي تراكم النتاج الفكري والثقافي والفني والمادي لأمةٍ من الأمم، يميزها عن الأمم الأخرى.
الحضارة منتج بشري جمعي، حيث إنتاج أفكار أولية بدائية:
فكرة علاقة الإنسان بالطبيعة، فكرة الخوف من كوارث الطبيعة والبحث عن الحماية عبر الإيمان بالماورائيات: التهيؤات والأساطير والغيبيات الخرافات،
ثم ارتقى الى مرحلة البحث عن المعرفة عبر الفلسفة ،
ومن ثم الانتقال الى تطبيق القوانين العلمية، التي تم اكتشافها في مرحلة تطور أرقى، لتفسير الظواهر الطبيعية والظواهر الاجتماعية،
وعليها تم الاستناد للبحث عن المعرفة من خلال سلسلة:
التفكير - الإدراك – التفسير - التخطيط - التنفيذ، بعدما توصل الإنسان الى الفصل بين قوانين الطبيعة وتصورات ما ورأ الطبيعة ( الماورإيات) ، أي الفصل بين كل ما هو مدرك بالبرهان والقياس العلمي وما هو متخيل بالمخيال والإيمان،
إلا أن القانون الأهم الذي تعرف أليه الإنسان هو قانون التراكم، القانون الشمولي لمجمل نشاط الإنسان في الطبيعة، الانتقال من النشاط الفردي الى النشاط الجمعي، العلاقات الناظمة فيما بين البشر وما بين البشر والسلطة الحاكمة: قوانين، دساتير، أنظمة وتعليمات، وبناء المؤسسات الرسمية والشعبية.
تطور التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية الخاصة بكل مجتمع، تشكل خصوصية هي عنوان تعريف الأمة، وتخضع لقانون التراكم، ويستحيل تتبع وفهم سيرورة التطور دون الربط بين سلسلة حلقات الماضي مع الحاضر، أي أن التطور سلسلة متصلة من الحلقات، فلا شيء يجبّ ما قبله ولا يحجز ما بعده،
الماضي متواجد دائماً في الحاضر، والحاضر سوف يتواجد بالضرورة في المستقبل،
ويشكل قانون التراكم أداة لدراسة فعل التطور على كافة الصعد: اللغة و السلوك، العادات والتقاليد، الثقافة والدين، العمارة والزراعة والصناعة،
بالمجمل دراسة التطور الحضاري، يعتمد على دراسة طريقة الحياة والظروف الطبيعية المحيطة.
أي مسألة، رياضية كانت أو كيماوية، يستعصي حلها أو يستحيل حلها إذا أسقط ولو عنصر واحد من المعادلة ، وكذلك الحال في دراسة سيرورة تطور الحضارة والمجتمع، أي مجتمع، يتطور من الماضي الى الحاضر، سلسلة متصلة، إسقاط أي حلقة يفقد الباحث بوصلة البحث العلمي، ويستحيل الوصول الى معطيات وحقائق ونتائج سليمة حول موضوع الدراسة.
تشكلت حضارة الأمة العربية على الجغرافية الممتدة بين العلا جنوباً الى دمشق والرها شمالاً ( مملكة الرها، هي اليوم أورفل في تركيا، حكمها ملوك الأباجرة، وكانوا يطلقوا على أنفسهم، ملوك العرب، بين القرن الثالث قبل الميلاد للقرن الأول بعد الميلاد) ومن الفرات شرقاً الى البحر الأبيض المتوسط غرباً، أول كتابة عربية، الف قبل الميلاد، وجدت في منطقة باير محافظة معان / الأردن
يتبع



