اوروبا وفلسطين ما الذي تغيَّر؟
مقالات
اوروبا وفلسطين ما الذي تغيَّر؟
م. زياد أبو الرجا
22 أيار 2025 , 21:30 م

               

× بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على النازية والفاشية وتوقيع اتفاقية يالطا بين الاتحاد السوفياتي بزعامة ستالين وبين بريطانيا بزعامة تشرشل والولايات المتحدة بزعامة روزفلت في شباط/فبراير ١٩٤٥ وانقسام العالم الى معسكر شرقي ، واخر غربي مما ادى الى استهلال الحرب الباردة بين المعسكرين في عام ١٩٤٨.

صاغ المفكر الامريكي جورج كينان George Kennan حقيقة التوهم بالتمتع بقيادة العالم بصراحة فظَّة: (( تمتلك الولايات المتحدة 50 % من ثروة العالم،لكن عدد سكاننا يعادل 6.3%من سكان العالم.في هذا الوضع، يتمثل عملنا الحقيقي في المرحلة المقبلة...الابقاء على حالة التباين هذه.ولفعل ذلك علينا ان نتخلص من العواطف كلها...وان نتوقف عن التفكير في حقوق الانسان ورفع معايير العيش واشاعة الديموقراطية )).

هذا هو المعين الذي قصده ترامب بعبارة (( امريكا اولا ! )) بعبارات اشد وضوحا واكثر صدقا.لذا علينا ان لا ننصدم عندما نقرا ان ادارة ترامب التي تعهدت حينما تولت السلطة اول مرة ان تضع حدا للحروب التي لا نهاية لها.ان ترامب يجسد الشخصية الجديدة لمعلم سياسي بذيء بوقاحة في ازدراء القواعد الاساسية للياقة الانفتاح الديموقراطي.يقدم ترامب نفسه بوصفه حارسا للقيم المسيحية التقليدية، والمفوض النهائي للقانون والنظام العام.

في ولايته الاولى كانت خطواته محكومة بما ستؤثر على فرص نجاحه في الفترة الرئاسية الثانية.اما الان فهو متحرر من هذه العقدة واكثر جرأة بسبب الظروف الذاتية والموضوعية المواتية.ومتحرر من مخاوف الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومنخرط في (( الترامبوتينية )) التي ستوقف الحروب  المشتعلة التي اججتها الادارة الامريكية الديموقراطية واشتركت فيها دول اوروبا بحماسة منقطعة النظير.من الفوضى الخلاقة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى الحرب الاوكرانية وحرب التطهير العرقي والابادة الجماعية في فلسطين.

مع تبني ترامب لنهج وقف الحرب في اوكرانيا واطفاء الحرائق في الشرق الاوسط، وجدت الدول الاوروبية التي شاركت في الحرب الاوكرانية بالمال والسياسة والتسليح وفرض العقوبات الاقتصادية على روسيا انها في وضع كانَّ لسان حالها يقول لامريكا: (( وصَّلتينا لنصِّ البئر وقطعتي الحَبْل فينا وَيْلي ويلي ...)).

ان اهم تداعيات (( الترانبوتينية )) على دول الاتحاد الاوروبي، يمكن ايجاز بعضها فيما يلي:

اولا :- لعنة الجغرافيا القائمة منذ عقود.لانها تقع على مقربة من افريقيا والشرق الاوسط، حيث النمو الديمغرافي المطرد، والتخلف الاجتماعي والاقتصادي.ففي البلدان العربية الرئيسية ( المغرب، الجزائر، ليبيا، تونس، مصر والسودان وبلاد الرافدين والشام ).فان اعداد السكان الذين في العشرينيات من عمرهم ويبحثون عن فرص العمل تزداد اعدادهم وتتضاعف سنويا، ففي هذه البلدان نجد نسبة الباحثين عن العمل تتراوح بين 40% الى  100%, ومع هذا التمدد الهائل في الاجيال الشابة المتعلمة والاغلبية غير المتعلمة من الاجيال الاكبر منهم، وبالتالي الانفصال والقطيعة بين المعرفة والقوة فتح ابواب الاجهاد على النظام السياسي الذي بقي منذ تاسيسه كالجاموس في الماء الاَسِن وكل همه ان يحمي نفسه من لسعات الحشرات والشمس الحارقة.مما فتح عليه ابواب جهنم ما سمِّيَ زورا وبهتانا بالربيع العربي.ودفع الفقراء والشباب العاطل عن العمل لركوب البحر او اجتياز الحدودالبرية في هجرة غير شرعية الى اوروبا.في حالة توقف الحروب في اوكرانيا والاقليم ومع العجز عن حل المشكلات الاقتصادية، ستكون اوروبا تحت ضغط موجات الهجرة غير الشرعية، وستكون عاجزة عن اعادة ملايين السوريين وغيرهم من العرب والافارقة والاوكرانيين.

ثانيا :- سيتضرر الاتحاد الاوروبي واليورو من جراء التحولات الجديدة الجارية.

ثالثا:-قد يسحب ترامب مظلَّته العسكرية عن اوروبا ويدعها امام تحديات تدفعها الى الاستثمار في الصناعات العسكرية وبناء الجيوش القادرة على ملء الفراغ وحماية مصالحها.

× بناء على ما تقدم فان الدول الاوروبية التي استعمرت الاقطار العربية وارست جغرافية سايكس - بيكو واصدرت وعد بلفور المشؤوم ، واقامت دولة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، لتكون قاعدتها المتقدمة.اوروبا الحديثة هي حفيدة اوروبا التي شنَّت الحملات الصليبية التي استهدفت المسيحية البيزنطية المتمدنة، قبل استهدافها دار الاسلام في مصر والشام.

لن تستطيع دول الاتحاد الاوروبي التي هرعت قياداتها الى الكيان، وقدمت كل اشكال الدعم المادي والعسكري والسياسي بعد عملية طوفان الاقصى، وقامت بالاف الغارات الجوية على قواعد ومقرات حزب الله في لبنان.ولا زالت سفن وطائرات التجسس الالمانية والبريطانية ترصد كل شاردة وواردة في المنطقة، وتقدم الدعم اللوجستي المطلوب.

لا يمكن تفسير مواقف دول الاتحاد الاوروبي المستجدة مما يجري من حرب ابادة وتطهير عرقي في غزة على انه صحوة ضمير.صحيح ان المجتمع المدني الاوروبي والامريكي لم يعد يتبنى الرواية الصهيونية واكتشف زيفها وخرج الى الشوارع وفي الجامعات يندد ويشجب ويدين الممارسات الاجرامية لجيش الكيان الصهيوني، ووصل به الامر الى تبني شعار ( فلسطين من النهر الى البحر ).اذن ما الذي دفع بريطانيا صاحبة وعد بلفور وفرنسا التي زودت الكيان بالمفاعل النووي في النقب والمانيا واسبانيا وبقية  الدول الاوروبية الى اتخاذ المواقف الجديدة المنددة بممارسات الكيان وتهدده بالاعتراف بدولة فلسطين؟.

انها تنطلق من الخوف على مصالحها في الاقليم بعد ان استحوذ ترامب عليها.ان اوروبا ستكون صريع " الترامبوتينية " التي لن تبقي لها الا الفتات.

مهندس/ زياد ابو الرجا.                                

المصدر: موقع إضاءات الإخباري