برج بيزا المائل معجزة معمارية تحدت قوانين الجاذبية
منوعات
برج بيزا المائل معجزة معمارية تحدت قوانين الجاذبية
24 أيار 2025 , 15:37 م

يقف برج بيزا المائل شامخًدا في مدينة بيزا الإيطالية، رغم ميلانه الملحوظ الذي أصبح علامة مميزة له، مما جعله واحدًا من أشهر المعالم السياحية والهندسية في العالم، يجمع البرج بين عبقرية التصميم وتحديات الطبيعة، ليحكي قصة معمارية فريدة استمرت لقرون، وتحولت من خطأ هندسي إلى تحفة عالمية.
- الموقع والوظيفة الأصلية للبرج
يقع برج بيزا المائل في ساحة المعجزات (Piazza dei Miracoli) بمدينة بيزا، في إقليم توسكانا شمال وسط إيطاليا، وقد بُني ليكون برج الجرس (Campanile) التابع لكاتدرائية بيزا، بجانب مبانٍ دينية أخرى كالمعمودية والمقبرة.
ويبلغ ارتفاع البرج حوالي 56 مترا من الأرض من الجهة المنخفضة، و55.86 مترًا من الجهة المرتفعة، ويتكون من ثمانية طوابق تتضمن الطابق الأرضي، ويزن نحو 14,500 طن.
- تاريخ بناء البرج: مشروع عمره قرون
بدأت أعمال بناء برج بيزا عام 1173م، في فترة ازدهار اقتصادي عاشتها جمهورية بيزا البحرية. ومع بدء بناء الطابق الثالث في عام 1178م، بدأ البرج يميل بشكل ملحوظ نتيجة هبوط غير متساوٍ في التربة تحت الأساسات، حيث كانت الأرض تحت البرج مكوّنة من طين ناعم ورمال ومياه جوفية.
وقد أدى هذا الميل إلى توقف البناء عدة مرات امتدت لقرون، في محاولة لتصحيح الميل وتجنب انهياره، وأُكمل بناء البرج في نهاية المطاف عام 1372م، بعد أكثر من 199 عاما من بداية العمل عليه، مما جعله شاهدا على تعاقب ثلاثة أجيال من المهندسين والعمّال.
- لماذا يميل البرج؟ الأسباب الجيولوجية والمعمارية
السبب الرئيسي لميلان برج بيزا هو الأساسات غير المتوازنة، حيث بُني البرج على طبقة رخوة من التربة غير المستقرة التي لم تتحمل وزنه الهائل، وقد تسببت هذه الطبقة في هبوط جزء من الأساسات بشكل أكبر من الجزء الآخر، مما أدى إلى ميل البرج بشكل تدريجي منذ مراحله الأولى.
ورغم المحاولات الكثيرة لتصحيح الميل خلال البناء، إلا أن الجهود كانت محدودة في العصور الوسطى نظرا لقلة المعرفة الجيولوجية والهندسية.
- الخصائص المعمارية والتفاصيل الفنية
الأسلوب المعماري: ينتمي البرج إلى طراز الرومانسيك الإيطالي، ويتميز بالأقواس نصف الدائرية، والأعمدة الرخامية، والنقوش الزخرفية.
- العدد الإجمالي للدرجات: يحتوي البرج على 294 درجة.
المواد المستخدمة: يتكون من رخام أبيض مستخرج من مقالع منطقة توسكانا، ويُعد من أرقى أنواع الرخام في العالم.
- الجهود العالمية لإنقاذ البرج من السقوط
مع مرور الزمن، زاد ميل البرج بشكل مقلق، حتى بلغ في التسعينيات ما يزيد عن 5.5 درجات، مما هدّد بانهياره، فأُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1987، ثم أُغلق أمام الزوار عام 1990، وبدأت جهود هندسية ضخمة لتقويمه جزئيا دون فقدان طابعه المميز.
ومن أبرز التدخلات:
إزالة التربة من الجانب المرتفع لتخفيف الميل.
تركيب مراسي فولاذية لدعم القاعدة.
استخدام أنظمة مراقبة بالليزر لمتابعة الحركة الدقيقة.
وقد نجحت هذه الجهود في تقليل الميل إلى حوالي 3.97 درجات، وتمت إعادة فتح البرج للزوار عام 2001.
- برج بيزا والسياحة العالمية
يستقطب البرج ملايين الزوار سنويا من مختلف أنحاء العالم، ويُعد من أشهر الرموز السياحية في إيطاليا، ومن أشهر الصور المرتبطة به تلك التي يلتقطها الزوار وهم يتظاهرون "بدفع البرج" أو "إسناده"، مما يعكس مكانته الثقافية والترفيهية.
وتُعد ساحة المعجزات بأكملها، التي تضم الكاتدرائية والمعمودية والمقبرة إلى جانب البرج، من أهم المواقع التي تُظهر روعة العمارة الدينية في العصور الوسطى.
- الرمزية الثقافية للبرج المائل
تحول برج بيزا المائل من خطأ هندسي إلى رمز عالمي للإصرار والإبداع، وأصبح يُدرّس في كليات الهندسة المعمارية كنموذج حي للتفاعل بين العمارة والتربة. كما يُستخدم في العديد من الأفلام والإعلانات كأيقونة للغرابة والفرادة.
- خاتمة: من خلل إلى إعجاز
يظل برج بيزا المائل شاهدا على عبقرية الإنسان في التكيف مع التحديات، وتحويل الإخفاق إلى إبداع. ومع استمرار الجهود الدولية لحمايته، يبقى البرج رمزا للأمل والدقة الفنية، وواحدا من أكثر المعالم تصويرا وزيارة على كوكب الأرض.

المصدر: Yajnoub