لطالما اعتُبر تحديد الجنس البيولوجي في الثدييات مسألة وراثية بحتة، يحددها تواجد الكروموسومات XY أو XX منذ لحظة الإخصاب، لكن دراسة حديثة نشرت في مجلة Nature قلبت هذه النظرية رأساً على عقب، إذ كشفت أن عاملاً بيئياً بسيطاً مثل نقص الحديد أثناء الحمل قد يُحدث تحولاً جذرياً في هذا المسار الجيني.
- نقص الحديد قد يغيّر الجنس البيولوجي
في اكتشاف يُعد الأول من نوعه، أظهر فريق بحثي من جامعة أوساكا اليابانية وجامعة كوينزلاند الأسترالية أن النقص الحاد في الحديد داخل الرحم قد يؤدي إلى تطور أعضاء تناسلية أنثوية لدى أجنة ذكور يحملون كروموسومات XY، وقد لوحظت هذه الظاهرة في فئران تجريبية، حيث وُلد عدد من الذكور بمبايض مكتملة النمو، بل وُلد أحدهم خنثى يمتلك مبيضاً وخصية.
- الجين الحاسم "SRY" في مهب التغذية
يعتمد التمايز الجنسي لدى الذكور على الجين المعروف باسم SRY الموجود على الكروموسوم Y، والذي يُعد المفتاح لتكوين الخصيتين، لكن المفاجأة كانت أن انخفاض مستويات الحديد بنسبة 60% في الخلايا يسكت هذا الجين في مرحلة حاسمة من نمو الجنين، مما يؤدي إلى تحول مسار التطور الجنسي نحو الأنثى.
- دور الوراثة فوق الجينية (Epigenetics)
يفسر العلماء هذا التأثير من خلال ما يُعرف بالوراثة فوق الجينية، وهي تغييرات كيميائية تنظم نشاط الجينات دون تغيير الشفرة الوراثية نفسها، في هذه الحالة أدى نقص الحديد إلى تعطيل إنزيم KDM3A المسؤول عن تنشيط جين SRY. وبدون هذا التنشيط، لا يبدأ المسار الذكري لتكوين الخصيتين، فيتطور الجنين كأنثى.
- تجارب داعمة تؤكد النتيجة
خلال التجارب، تم التأكد من هذا التأثير المذهل باستخدام دواء يزيل الحديد من الجسم، حيث لوحظت النتائج نفسها. وُلد خمسة من أصل 72 جنيناً ذكراً بأعضاء تناسلية أنثوية، مما يؤكد أن نقص الحديد كان العامل الحاسم في تغير مسار التمايز الجنسي.
- هل يمكن أن يحدث هذا للبشر؟
رغم أن الدراسة اقتصرت على الفئران، إلا أن العلماء لم يستبعدوا وجود تأثير مماثل لدى البشر، لا سيما أن نحو 40% من النساء الحوامل حول العالم يعانين من نقص الحديد، ويرجح الباحثون أن بعض النساء قد يكنّ أكثر عرضة لهذا التأثير بسبب عوامل وراثية أو بيئية مشتركة.
- المستقبل: دراسات أوسع لفهم الآلية
يعتزم فريق البحث متابعة الدراسات لتحديد ما إذا كانت الآليات نفسها تحدث لدى الإنسان، وما هي الظروف المحددة التي تجعل نمو الجنين حساساً لنقص الحديد في مراحل الحمل المبكرة. وتُعد هذه الدراسة خطوة مفصلية لفهم أعمق لتفاعل البيئة والتغذية مع آليات الوراثة، وربما فتح الباب لتوجيهات طبية جديدة تخص الحوامل.


