بقلم : عدنان علامه/عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
يشكّل التوظيف المكثّف للرؤية التوراتية حجر الأساس في الخطاب السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لا يكتفي الرجل بالاستعارة الرمزية، بل يقدّم نفسه بوصفه امتدادًا حيًّا لقادة العهد القديم الذين كُلّفوا بمهام "إلهية" لتطهير الأرض من أعداء إسرائيل. هكذا تتوارى السياسة خلف ستار اللاهوت، وتتحوّل الحروب الاستعمارية إلى واجب مقدّس، والإبادة إلى طاعة لله.
1-شريعة الإبادة: العماليق نموذجًا
من أكثر الرموز التوراتية حضورًا في خطاب نتنياهو هو "العماليق". ففي سفر صموئيل الأول (الإصحاح 15)، يأمر الربّ الملك شاؤول قائلًا: "إذهب واضرب العماليق، وحَرِّم كل ما له ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا."
وحين خالف شاؤول هذا الأمر الإلهي وعفا عن الملك أجاج، عاقبه الرب بنزع المُلك عنه.
فهذه القصة تُشكّل الخلفية اللاهوتية لتعامل نتنياهو مع الشعب الفلسطيني، وخصوصًا في غزة. فالفلسطيني هنا ليس إنسانًا أو خصمًا سياسيًا، بل هو امتداد لـ"العماليق"، أي عدو أبدي يجب محوه من الوجود.
وهكذا صرّح نتنياهو بعد مقتل 13 جنديًا إسرائيليًا في غزة في يوليو 2024: "نحن نقاتل حماس - فرع من العماليق - وسنواصل حتى القضاء عليهم جميعًا.
2- "استحضار نتنياهو لهامان، الخصم التاريخي لليهود في سفر أستير، يُستخدم اليوم لتجريم كل من يعارض إسرائيل، لا سيّما الفلسطينيين، بوصفهم ورثة "هامان الحديث".
3- ففي استعارة نتنياهو لشخصية جدعون، نلحظ محاولة لصياغة ذاته كقائد" مختار" يقود شعبه بـ (أمر إلهي)، حتى لو كان بعدد قليل، نحو نصر حاسم. وكما كان جدعون مدعومًا من الرب في محاربة (المديانيين).
فنتنياهو يسوّق لحربه ضد غزة، باعتبارها معركة مقدسة، لا سياسة تعتمد على إرتكاب المجازر والأبادة والتطهير العرقي لتنفيذ مآربه."
وفي ظل صمت عالمي مريب، يواصل نتنياهو تسويق حربه على غزة كامتداد لمعركة توراتية مقدسة، متجاهلًا كل المواثيق الدولية التي تعتبر إسرائيل قوة احتلال. وهنا يبرز السؤال الأخطر: من يتصدّى لهذه الرواية قبل أن تتحوّل إلى واقع مدعوم بشرعية دينية زائفة؟"
وإن غدًا لناظره قريب
10 حزيران/يونيو 2025


