بقلم: عدنان علامه/عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في قلب الخطاب السياسي لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تتجلّى بوضوح مرجعيات توراتية قديمة يُعاد تفعيلها بعناية، لتُستخدم كمرتكز أيديولوجي في توصيف الواقع السياسي والحربي. فنتنياهو لا يتحدّث بلغة القانون الدولي أو حتى منطق الأمن القومي بمعاييره الحديثة، بل يستعير صورًا من روايات "الإبادة التوراتية" حين يتحدث عن "العماليق"، أو يستحضر "هامان" كرمز للخطر الوجودي الذي يستوجب الإزالة الكلية. وفي المقابل، يقدّم نفسه وقادته العسكريين في صورة "جدعون" القوي المختار، المكلّف بإبادة الأعداء باسم الرب.
هذا التوظيف الخطابي ليس عابرًا، بل يندرج ضمن مشروع توسعي متكامل، يتأسس على قراءة دينية متطرفة للتاريخ والجغرافيا. إذ يجري تأطير الصراع مع الفلسطينيين، ومع كل من يقف في وجه الهيمنة الصهيونية، على أنه امتداد لمعركة توراتية مقدسة، يُستحَلّ فيها القتل، وتُشرعن فيها الإبادة، باعتبارها "واجبًا دينيًا" يسبق الحسابات السياسية.
وفي هذا السياق، تكتسب الأبعاد اللوجستية والعسكرية دلالات مروّعة. فحين حاولتُ تقدير الحجم الفعلي لكمية الأسلحة والذخائر التي يمكن نقلها في سيناريو افتراضي يتوافق مع هذا التصور التوراتي للإبادة، كانت النتائج صادمة. إذ أن استخدام 800 طائرة نقل من طراز لوكهيد C-5M Super Galaxy، بقدرة تصل إلى120 طنًا للطائرة الواحدة، يعني إمكانية نقل ما يقارب 96,000 طن متري من العتاد الجوي. أما بحريًا، فإن تعبئة 140 سفينة شحن من نوع MAERSK HAMBURG — بقدرة استيعاب تُقدّر بـ 13,000 حاوية (TEU) للسفينة — سيُنتج قدرة إجمالية لنقل تتجاوز 24,500 مليون طن متري من الأسلحة والذخائر.
نحن إذًا أمام كتلة لوجستية تقارب 24,6 مليون طن من أدوات القتل والتدمير.
حجمٌ لا يُستخدم في حرب تقليدية، بل يُعبّر عن مستوى من التحضير لا يُفهم إلا في إطار حرب إبادة شاملة ضد إيران .
وإذا ما وُضع هذا الرقم في سياق استدعاء نتنياهو المتكرر لخطاب "العماليق" و"هامان" و"جدعون" و "الأسد الصاعد" تتّضح الصورة: ليست المسألة أمنًا قوميًا، بل تنفيذ مشروع توراتي للهيمنة والإجتثاث الكامل للآخر.
إن عدوان نتنياهو ليس سياسيًا فقط، ولا عسكريًا بحتًا، بل هو مشروع توراتي في جوهره، يُخاض بالسلاح وبالنص، بالدبابة وبالنبوءة، بالجندي وبالنبيّ المزيّف. وما لم تُفكّك هذه الخلفية العقدية ــ الرمزية، فإن التحليلات الاستراتيجية ستبقى عاجزة عن فهم طبيعة المعركة وحدودها الحقيقية.
فإسرائيل إعتدت على إيران وبشراكة أَمريكية كاملة دون وجه حق بهدف إسقاط النظام في إيران؛ فقتلت علماء ذرة مدنيين وقتلت قادة عسكريين كبار من الصف الأول. والذي يثير الشك والريبة غياب رئيسة مجلس الأمن السيدة كريستينا ماركوس لاسن عن السمع مساواة الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريش بين المعتدي والمعتدى عليه حين طالب بوقف التصعيد. بينما ترامب كان منتشيًا حين قال: "أعتقد أن الأمر كان رائعًا. منحناهم فرصة ولم يستغلوها. لقد تلقوا ضربة قاسية، قاسية. لقد تلقّوا ضربة بأقصى قوة تقريبًا. وهناك المزيد في الطريق، أكثر بكثير."
وأعترف ترامب بدعم إسرائيل كما لم يدعمها أحد من قبل وحمولة 800 طائرة و140 سفينة أكبر مثال على ذلك.
فإيران قامت بالدفاع عن نفسها بموجب القوانين الدولية وبالتالي ليس للمعتدي أي حق بالرد.
فالأمور ذاهبة إلى المجهول لان ترامب ونتنياهو لا يعترفان بحق إيران في التخصيب على أراضيها كليًا وحقها في العمل في كافة مراحل إنتاج الطاقة النووية؛ ولكن هناك إصرار أمريكي وإسرائيلي على تدمير إيران لبرنامجها النووي السلمي.
فمن المستحيل أن تتنازل إيران عن حقها الشرعي والقانوني، في أن تمتلك الطاقة النووية في برنامجها السلمي، مهما بلغت الضغوطات خارج إطار القانون. وهذا بمثابة شن عدوان جديد عليها.
وفي حال السعي لوقف إطلاق النار؛فمن هي الجهة التي تضمن لإيران عدم الإعتداء عليها مجددًا؟
وإن غدَٓا لناظره قريب
16 حزيران/ يونيو 2025
