اعتقد جميع المهتمين بالشأن السياسي و حتى الإنسان العادي اصبحوا يعرف الرئيس الامريكي ترامب او هو كما يريد ان يعرف عن نفسه ،أنه عظيم ، وطني ،جورج واشنطن القرن الحالي و رونالد ريغان في خياله…
لذلك نراه يتصرف بعنجهية تحاكي الواقعية ، ولكن في النهاية يعود إلى حقيقته ، التاجر او رجل المقاولات وصاحب الصفقات المناقصات في الحصول على المشاريع و كنت اوردت في مقال سابق عن تجربته التفاوضية مع كوريا الشمالية و النهاية الفاشلة الذي يلخصها، المثل الشعبي : "" لا تتخوت علي او لا تاكل راسي"" و كذلك العدوان الامريكي الاخير على اليمن و طلب الهدنة بوساطة سلطنة عمان و اعترافه بصلابة وصمود اليمنيين في القتال و عدم رضوخهم و من الاختبار الصعب مع إيران و إنهاء المسرحية بعد قصف القاعدة الاضخم له في إمارة قطر و بعد حروبه الإقتصادية و رفع الجمركة و من ثم تخفيض سقفها ويطلب التفاوض.
اما قصة اتفاق شفهي او وعد اعطاء اوكراينا مقابل سورية كنت ومازلت مصر على ان هذا مجرد دعاية ومن السداجة بمكان ان يصدق بوتين هكذا كلام بعد كل تجاربه و تجارب اخر رئيس للإتحاد السوفيتي وكلمة شرف بعدم توسع الناتو شرقاً.
لذلك ثبت ان لا صحة لتلك الصفقة ،إنما دائماً عندما يكون الخيار بين أمنك القومي و الوجودي المباشر بالمقارنة مع إمكانياتك ،أعتقد الخيار واضح ، و هو ما قررته روسيا وهي تقاتل حلف الناتو مياشرة بعد اصبحت قوته مضاعفة يوم إنشائه بينما روسيا بقدرة قادر تعافت و بسرعة لم يتوقعها كل محللي الغرب و معاهد الدراسات في امريكا و الناتو حيث ثبت ذلك يوم استعادت شبه جزيرة القرم وعلى بعد نصف عام من أن تصبح قاعدة بحرية لحلف الناتو نفسه اي لامريكا ،جاء الحدث كالصاعقة على خططهم و بدانا العقوبات سلسة و الحصار التي تجاوزت ال37000 بند.
اما ترامب و روسيا قصة مختلفة برأيي ، اليوم بعد ان اعطت كييف ترامب كل الاراضي التي في باطنها المواد و الثروات المعدنية بصفقة اتت بعد تلك الجلسة له ونائبه مع زيلينسكي الفضيحة
ورغم كل العقوبات على موسكو من أوروبا مجتمعة و امريكا و مهلة العشر ايام الاخيرة، هي ليست إلا استعراض من ترامب فهو في الاصل شومان و متعهد مسابقات ملكات الجمال…وبالتالي هذا الاسلوب لا يمشي على روسيا وهو يعلم أن ذلك لا يمر على فلاديمير بوتين ، الذي لم يتكلف عناء الرد على كل تصريحات ترامب الاستفزازية منذ البداية إلا اذا سئل من قبل صحفيين او وسائل الاعلام فهو وإذ لابد، يكلف من يقوم بالرد من هو ادنى مستوى بالمسؤولية .
موازين القوى على مسرح اوكرانيا الحربي واضحة بعد كل الدعم والمشاركة الغربية و الامريكية في الدعم والتدريب المباشرتين ومنذ يومين اسرت القوات الروسية ضابطين بريطاني و بلجيكي على ماأعتقد قرب آخر واهم مدينة سيطر عليه الروس "تشسوف يار" ولذلك مبدا المقايضة لامكان له و لا مبرر له اصلا، بالامور تعرف بالعقل و افهم لو ان روسيا تخسر، تتراجع او تفشل في التقدم و الحصول على المزيد من المدن والقرى ،حينها يصح ان يفرض احد ما شروط عليها لوقف الحرب ، لكن مادام التقدم الروسي مستمر كما هو اليوم قد تصل الدبابات الروسية الى ما بعد المساحات و الاراضي التي فيها هذه الثروات والتي اصبحت بحكم الصفقة ملكا لواشنطن تحت السيطرة الروسية ، لذلك ترامب ومن ورائه عليهم في الاسراع و إجبار زيلينسكي وأوروبا وخاصة بريطانيا والمانيا بالتراجع عن الدعم المباشر والاكبر الذي يقدمونه في التسليح ، المعلومات الاستخبارية و السياسة والمال وطلب وقف الحرب بشروط روسيا التي وضعنها منذ بدء العملية العسكرية الخاصة، لان إعلان الحرب له تكتيك آخر، و ما يعزز هذا المنحى ان هناك قمة بين بوتين و ترامب خلال الأيام المقبلة حيث أعلن أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي قائلاً: "بناءً على اقتراح الجانب الأمريكي، تم الاتفاق مبدئيا على عقد لقاء ثنائي على أعلى مستوى خلال الأيام المقبلة.".
بهدف عقد صفقة للحفاظ على هذه المكاسب و اعتقد بوتين بالنهاية سوف يحصل ايضا على اموال الدولة المحجوزة في البنوك الخارجية والتي تقترب ال 300مليار ايضاً ، لذلك اسرع في إرسال موفده ويتكوف قبل انتهاء مدة العشرة الايام الاستعراضية وهو كما قلت يجيدها ترامب كي يظهر الرئيس الاقوى في امريكا والعالم وربما يحمل مبعوثه طلب او رجاء من الكرملين و هنا لعبة بوتين الذكية بأن يعود إلى سوريا و هو ما جرى اصلا قبل وصوله و الحصول على امتيازات و مصالح ، اما وصول وزير خارجية الشرع او اردوغان السريع و المفاجئ إلى موسكو ولم يكفي ذلك ، بل طلب الروس استدعاء وزير دفاعه ايضا و نتائج الزيارة تسرب حولها الكثير و بالتالي روسيا حصلت على ما ارادت و هو مؤشر، و تستعد للعب دور كبير في المنطقة الغربية في سورية بعد فرض شروط واضحة على السلطة المؤقتة بهذه الهجمة المرتدة المحسوبة و التطورات متسارعة وكما اشرت سابقا إلى حلف اماراتي مصري روسي ومعه طهران و بغطاء صيني في طريقه إلى التشكل و ما زيارة رئيس الامارات الى موسكو إلا في هذا الاتجاه.
و بغض النظر عن تصرف موسكو مع الحكم السابق عند نقطة التقاطع الدولي و استحالة خرق حالة الجمود ربما بسبب اختلال موازين القوى لفترة قصيرة و انهيار المحور بعد غياب السيد نصرالله عن المشهد.
لذلك عاد ترامب إلى استراتيجية الصفقات قبل وصول موسكو بقواتها إلى كييف ربما، و أبعد و السيطرة على ثروات و معادن واشنطن الاوكراينية، مقابل ليس فقط تثبيت وجودها في حميميم و طرطوس وانما إعادة تجهيز قاعدة القامشلي . اما العلاقة التاريخية بين حزب العمال الكردستاني و الاكراد والدعم منذ الحقبة السوفيتية يبقي للروس تاثيرهم الكبير وتبين ذلك في عدة مراحل منذ بداية الحرب على سورية من خلال الوساطة وحل النزاع العسكري و الامني مع حكومة دمشق آنذاك ، موسكو الجندي المجهول في المعركة الدائرة و في دعم الاكراد بوجه النظام التركي كانت وما تزال ذات تاثير و علاقة وثيقة مع القوات و الاحزاب الكردية الحالية و بوتين لا يغفر لمن يطعنه في الظهر فالورقة الكردية لم تُلعب بعد ، هي رسالة لإردوغان و علييف.
بالمناسبة لم يخرج تصريح روسي رسمي منذ بداية الحرب على سورية و انخراطه موسكو الفعلي في القتال انهم يدافعون عن النظام و عن من على راسه و يمكن العودة إلى الارشيف و التأكد ، دائما كانت التصريحات الرسمية نحن تقاتل الارهاب الذي قد يتمدد إلينا والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، حتى المقولة التاريخية في زمن "الامبراطورة يكاترينا" : باب بيت الامبراطورية الروسية في دمشق ومرورا بالحقبة السوفيتية بقيت كذلك وهل سوف تستمر،،؟.