بقلم: عدنان علامه/ عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في تطورٍ لافت يحمل أبعادًا نفسية وسياسية خطيرة، نشر الرئيس ترامب، على منصة "تروث سوشال"، تصريحًا مثيرًا لكل علامات الإستفهام والتعجب والغربة والخطورة؛ دعا فيه سكان العاصمة الإيرانية طهران إلى مغادرتها فورًا، مرفقًا تحذيره بعبارات تلقي باللائمة على إيران لعدم توقيع الاتفاق الذي "كان ينبغي عليهم توقيعه"، على حدّ وصفه. وقد ختم منشوره بالعبارة المثيرة للجدل: "على الجميع إخلاء طهران فورًا".
فلا يمكن فصل هذا التصريح المتفجر عن ما قاله ترامب في 30 أيار الماضي، حين نشر تغريدة قال فيها: "أنا في مهمة من الله، ولا شيء يستطيع أن يوقف ما سيحدث."
فهنا، يدخل الخطاب الترامبي في منطقة رمادية، تجمع بين النرجسية المطلقة، والعقيدة السياسية المتلبسة بلبوس ديني-مسياني، تتماهى مع فكرة "المخلّص" الذي ينفذ مشيئة الله على الأرض.
ففي التحليل الظاهري لتصريح ترامب يمكن أن يُدرج في إطار التصعيد الكلامي ومحاولة الضغط السياسي والإعلامي على إيران، لكنه يتجاوز المعتاد، خاصة حين يتحدث عن "إخلاء" عاصمة بحجم طهران. هذا النوع من الخطاب لا يُستعمل عادة إلا في حالات وجود تهديد مباشر بعمل عسكري كبير، وربما باستخدام سلاح فتاك.
أما البُعد الأعمق والأخطر، فيكمن في الربط بين الخطابين: خطاب "المهمة الإلهية"، وخطاب "الإخلاء الفوري". هذا الربط يفتح باب التأويل على مصراعيه، ويكشف عن احتمالين:
1- إما أن ترامب يُسرّب، بشكل غير مباشر، نية أو معرفة بمخطط عسكري كبير، قد يكون باستخدام سلاح تقليدي أو سلاح نووي تكتيكي، سواء من قبل واشنطن أو بتفويض إسرائيلي.
أو أنه يُسقِط لاشعوريًا ما يختمر في ذهنه من رغبة دفينة في تدمير طهران، ضمن رؤيته الشخصية المتضخمة والمشحونة بشعور "الرسالة المقدسة".
وفي كلتا الحالتين، فإن ما صدر عن ترامب لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه. فنحن أمام شخصية تتربع على قمة هرم النرجسية العدوانية المتلبسة بعباءة دينية، تستخدم لغة تشبه النبوءات التوراتية أو الإلهامات الحربية، ما يعيد إلى الأذهان الخطاب الاستعماري القديم، ولكن بثوب "حديث" ومتفجّر.
فإن دعوة ترامب لإخلاء طهران ليست مجرد تحذير سياسي، بل تلميح ثقيل الوطأة قد يُمهّد لضربة عسكرية كبرى، أو على الأقل، لخلق مناخ تبريري لضرب إيران في مرحلة لاحقة.
وهنا تكمن خطورة الخطاب السياسي المتطرف عندما يتقاطع مع جنون العظمة ويُشرّع لنفسه بوابة "الرسالة السماوية".
يبقى أن نُذكّر بأن هذا النوع من الخطاب ليس منعزلاً، بل يندرج ضمن سياق متصاعد من التصعيد الأميركي-الإسرائيلي ضد إيران، وأن التهديدات، حين تخرج عن حدود الدبلوماسية وتدخل قاموس الرؤى اللاهوتية، فإنها تتحول من أدوات ضغط إلى بوابات كوارث.
قال الإمام علي عليه السلام: "ما أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيئاً، إِلاَّ ظَهَرَ في فَلَتَاتِ لِسانِهِ، وصَفَحاتِ وَجْهِهِ".
وإنَّ غدًا لناظره قريب
17 حزيران/يونيو 2025



