بقلم: عدنان علامه/ عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
بينما يحاول الرئيس ترامب أن يتنصّل من مسؤوليته عن العدوان على إيران، تتهاوى روايته أمام سيل من الحقائق المعلنة. فالإمداد الأميركي الهائل لإسرائيل، وما كشفته وزارة الدفاع الإسرائيلية نفسها من تفاصيل، يكشف أن ترامب لم يكن بعيدًا عن المشهد، بل كان في صلبه، بتخطيطٍ واعٍ وموافقةٍ مسبقة.
ففي بيان صدر بتاريخ 27 أيار/مايو، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن وصول 800 طائرة و140 سفينة شحن منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، محمّلة بأسلحة ومعدات عسكرية أميركية. هذه الأرقام ليست تقديرية ولا تسريبات، بل وثائق رسمية إسرائيلية تُثبت أن العدوان على محور المقاومة، بما فيه إيران، لم يكن ردّ فعل طارئ، بل نتاج خطة دقيقة نُفّذت على مراحل وبمباركة من واشنطن.
وقد ادّعت إسرائيل أن ما نُقل عبر هذا الجسر العسكري بلغ نحو 90 ألف طن فقط من العتاد. لكن حين نقارن ذلك بسعة وسائل النقل المستخدمة، تنكشف الخدعة: فطائرة النقل العملاقة من طراز Lockheed C-5M Super Galaxy قادرة على نقل 127 طنًا، أي أن 800 طائرة تنقل أكثر من 101,600 طن من العتاد. أما بحريًا، فإن سفن الشحن من نوع MAERSK HAMBURG، بقدرة استيعاب تصل إلى 13,000 حاوية (TEU) لكل سفينة، يمكنها مجتمعة نقل ما يزيد عن 39.3 مليون طن متري من الأسلحة والذخائر.
نحن إذًا أمام قدرة لوجستية ضخمة تُقارب 39.4 مليون طن من أدوات القتل والتدمير، حجم لا يُستخدم في أي نزاع تقليدي، بل يوذر بتحضيرات لشن حرب إبادة شاملة، تتجاوز حدود الردع، إلى حدود الاجتثاث الكامل.
ويُصبح لهذا الرقم دلالة أشد وقعًا حين نُقارب بينه وبين الخطاب التوراتي الذي يستحضره بنيامين نتنياهو، حيث لا تغيب عن خطبه رموز مثل "العماليق"، "هامان"، "جدعون" و"الأسد الصاعد"؛ وكلها شخصيات توراتية اقترنت بالإبادة الكلية للخصوم. ومن هذا المنطلق، يبدو أن العدوان على إيران ليس سوى حلقة ضمن مشروع أوسع، يستهدف كسر محور المقاومة بالكامل، تمهيدًا لرسم خرائط جديدة في المنطقة على وقع الدم والبارود، تحت مسمّى "الشرق الأوسط الجديد" أو "إسرائيل الكبرى".
بين التخطيط والتنفيذ: ترامب حاضر في كل التفاصيل
في هذا السياق، لا يمكن لأي متابع أن يُصدّق رواية ترامب بأنه لم يكن على علم أو لم يشارك في التخطيط.
فالتحضيرات بدأت منذ اللحظة الأولى لعمليات الإبادة في غزة، وتم تحييد بعض الساحات كالساحة السورية، والضغط على حزب الله بالتدريج. وحين اكتملت حمولة الجسر العسكري الأميركي – الإسرائيلي، أعيد تفعيل خطة ضرب إيران، بانتظار نتائج المعركة، ليُستكمل السيناريو بالعدوان على العراق واليمن.
من هنا، يصبح إنكار ترامب مجرّد مناورة سياسية مكشوفة، هدفها التهرب من المسؤولية الأخلاقية والجنائية، خاصة مع تصاعد الأصوات الحقوقية المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في غزة، وطبيعة الأسلحة المستخدمة فيها.
وفي الختام، إن ما يجري ليس خلافًا جيوسياسيًا عابرًا، بل تنفيذ ميداني لحرب توراتية الإلهام، أميركية التمويل، إسرائيلية التنفيذ، والمستهدف فيها وجود أمة بأكملها.
وإذا كانت الحرب تُخاض بالصواريخ، فإن فضح أكاذيب الساسة وتوثيق الوقائع هو سلاح الشعوب في مواجهة مشاريع الإبادة من خلال تطبيق مبدأ القوة ونسف قوانين الشرعية الدولية.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
َ18 حزيران/يونيو 2025



