بين الغطرسة الأمريكية والحسابات الإيرانية الدقيقة
مقالات
بين الغطرسة الأمريكية والحسابات الإيرانية الدقيقة
د. بدور الديلمي
22 حزيران 2025 , 22:18 م


في لحظة يتقاطع فيها الزمن السياسي بالتاريخ العسكري، يطفو على السطح سؤال مخيف: هل أصبح اندلاع حرب مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية أمرًا وشيكًا؟ وإن وقع، هل سيكون مجرد نزاع تقليدي آخر في الشرق الأوسط، أم شرارة لحرب عالمية قد تغير ملامح النظام الدولي برمّته؟

لسنا أمام تحليل نظري ولا تهويل إعلامي، بل أمام معطيات متشابكة تجعل من هذا السيناريو ممكنًا ومخيفًا في آنٍ معًا.

---

لماذا إيران؟ ولماذا الآن؟

منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، تخلّت إيران عن الدور التابع للغرب، واتجهت لبناء محور مقاومة يمتد من طهران إلى بيروت، مرورًا ببغداد ودمشق وصنعاء.

لكن ما يحدث اليوم هو تجاوز إيران لدورها التقليدي، لتصبح رأس حربة إقليمية تهدد التفوق العسكري والسياسي الأمريكي في المنطقة، وذلك من خلال دعمها العلني لفصائل المقاومة، ونجاح حلفائها، وفي مقدمتهم القوات المسلحة اليمنية – أنصار الله، في فرض معادلات ردع جديدة.

التصعيد في البحر الأحمر، والمواقف الإيرانية الصلبة إزاء العدوان على غزة، وتنامي نفوذ طهران في الخليج وآسيا الوسطى، كلّها عوامل دفعت واشنطن إلى حافة الهاوية.

---

هل تملك أمريكا رفاهية الحرب؟

رغم تفوقها العسكري الهائل، تواجه الولايات المتحدة خيارات مُرّة:

الداخل الأمريكي يئن: الانقسام السياسي، والركود الاقتصادي، وتراجع الثقة بمؤسسات الحكم تجعل من قرار الدخول في حرب طويلة مقامرة كبرى، خاصة في عام انتخابي حاسم.

انتشارها العسكري في مرمى النيران: القواعد الأمريكية في الخليج، والأساطيل في البحر الأحمر، والمصالح في المنطقة، كلها أهداف مكشوفة أمام الصواريخ الإيرانية وحلفائها.

تكلفة سياسية واستراتيجية: حرب كهذه قد لا تُنتج انتصارًا أمريكيًا حاسمًا، بل قد تنتهي بتعزيز دور إيران كقوة إقليمية نووية أو على الأقل غير قابلة للكسر.

---

ما الذي يمكن أن يشعل الحرب؟

الشرارة قد تكون ضربة "وقائية" من واشنطن على منشآت نووية أو عسكرية إيرانية، أو استهداف مباشر لقادة في الحرس الثوري.

الرد الإيراني حينها لن يكون تقليديًا، بل سيفتح الجبهات كلها:

حزب الله في الشمال الفلسطيني

أنصار الله في باب المندب

الحشد الشعبي في العراق

شبكات إيرانية في العمق الخليجي

ومع أول ضربة، ستتحول الخريطة إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين محورين عالميين.

---

اللاعبون الكبار يراقبون... وربما يتدخلون

في حال اندلعت الحرب، من الصعب أن تبقى روسيا والصين على الحياد.

فإضعاف أمريكا عسكريًا في الشرق الأوسط قد يكون الفرصة التاريخية التي تنتظرها موسكو وبكين لإعادة تشكيل النظام العالمي متعدد الأقطاب.

كما أن أمن الطاقة الصيني، والمصالح الاقتصادية الروسية في المنطقة، وسباق السيطرة على الممرات البحرية، كلها تحفز على التورط غير المباشر على الأقل.

---

الخلاصة: حين تكون الحرب إعلانَ فشل... لا نصر

دخول أمريكا في حرب مباشرة مع إيران، لن يكون نزهة، ولا حتى مغامرة محسوبة، بل هزيمة استراتيجية مسبقة، تفتح على العالم أبواب فوضى شاملة، وتنذر بإعادة رسم خرائط النفوذ، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم.

ربما ستنتهي هذه الحرب – إن اندلعت – بلا غالب ولا مغلوب، لكن الأكيد أن الشعوب، وخاصة في منطقتنا، ستدفع الثمن الأكبر.

---

وأخيرًا، إلى القارئ العربي:

هل تعتقد أن هذه الحرب قادمة؟

أم أن واشنطن، كما فعلت مراتٍ كثيرة، ستلوّح بالقوة ثم تتراجع أمام حسابات الواقع؟

نحن ننتظر رأيك.

---

✍️

بقلم: الإعلامية اليمنية بدور الديلمي

صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والإقليمية

المصدر: موقع إضاءات الإخباري