الورقة الأميركية بين مخالفة الدستور وخطر الانزلاق نحو حرب أهلية
مقالات
الورقة الأميركية بين مخالفة الدستور وخطر الانزلاق نحو حرب أهلية
عدنان علامه
12 آب 2025 , 15:36 م


عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

منذ إقرار مجلس الوزراء اللبناني برئاسة نواف سلام أهداف الورقة الأميركية التي حملها المبعوث الأميركي توم براك، تتصاعد المخاوف من تداعيات خطيرة على السيادة اللبنانية ووحدة الصف الداخلي.

فالوثيقة التي تتضمن "الإنهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله" تطرح تساؤلات قانونية وسياسية وأمنية حول التوقيت، الخلفية، والشرعية، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية وغياب التزامه بالقرارات الدولية.

? إخلال أميركي بالضمانات الدولية

فمنذ اتفاق وقف إطلاق النار بتاريخ 27 تشرين الثاني 2024، والذي تم بموجب القرار 1701 بضمانة أميركية ومشاركة فرنسية، لم تلتزم الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لتنفيذ الإنسحاب الكامل إلى الحدود الدولية، ولا بفرض احترام الإنتهاكات البرية والجوية والبحرية. بل سمحت واشنطن، عمليًا، باستباحة إسرائيل للسيادة اللبنانية، وهو ما يرقى إلى نقض الضمانات المعلنة.

?تخلي الدولة عن حق الدفاع المشروع

منذ 28 تشرين الثاني 2024، التزمت السلطات اللبنانية بعدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، متخلية عن حق الدفاع المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وخلافًا لنهج المقاومة عام 2006 التي أجبرت العدو على انسحاب كامل وسريع في ليلة واحدة. هذا التنازل أضعف الموقف التفاوضي اللبناني وأعطى ضوءًا أخضر لاستمرار الانتهاكات.

?شبهة التعاون أو الخضوع للإملاءات

إن استمرار الجيش الإحتلال الإسرائيلي في استباحة الأراضي اللبنانية بتصريح رسمي من أفيخاي أدرعي : "يبقى جيش الدفاع ملتزمًا بتفاهمات وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان ومنتشرًا في جنوب لبنان ليعمل لازالة كل تهديد على دولة إسرائيل مواطنيها" ، يقابله صمت رسمي لبناني، يعزز فرضية وجود إما تعاون غير معلن مع إسرائيل أو التزام كامل بضغوطات وإملاءات أميركية، وهو ما يشكل خرقًا فاضحًا لقسم رئيس الجمهورية وللبيان الوزاري، وقد يرقى إلى مستوى الخيانة العظمى وفق القانون الدستوري.

?مخالفة دستورية وإجرائية

إن إقرار أهداف الورقة الأميركية في مجلس الوزراء يخالف نصوص اتفاق الطائف والدستور اللبناني، إذ إن أي معاهدة أو اتفاق مع دولة معادية أو محتلة يدخل ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية ويتطلب آلية دستورية واضحة. كما أن فرض التزامات على الدولة من قبل قوة احتلال، لصالح الاحتلال نفسه، يندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

?المخاطر على السلم الأهلي

إن طرح سحب سلاح المقاومة في ظل استمرار الاحتلال وعجز أو تواطؤ الدولة عن مواجهته، يعني فعليًا إضعاف قدرة لبنان الدفاعية. وتكليف الجيش اللبناني بتنفيذ هذه المهمة بالقوة في ظل الاحتلال قد يشعل فتيل حرب أهلية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للسلم الأهلي وللاستقرار الداخلي.

?الخاتمة

فالورقة الأميركية ليست مجرد اقتراح لوقف إطلاق النار، بل مشروع لإعادة صياغة التوازنات الداخلية بما يخدم أجندة الاحتلال الإسرائيلي، على حساب السيادة والدستور وحقوق الشعب اللبناني. وأي قبول بها في الظروف الراهنة يشكل انزلاقًا خطيرًا نحو تفكيك الدولة وتفجير الداخل، ويستدعي موقفًا وطنيًا جامعًا يضع مصلحة لبنان العليا فوق أي إملاءات خارجية.

وإنَّ غدًا لناظره قريب

12 آب/أغسطس 2025

?ملحق قانوني – الإطار الدستوري والدولي لمناقضة الورقة الأميركية

1- الدستور اللبناني – مقدمة الدستور (الفقرة ب):

يفرض حماية السيادة واستقلال الدولة من أي احتلال، وأي التزام دولي يجب أن يكون متوافقًا مع هذا المبدأ.

2- اتفاق الطائف – البند ثالثًا، بسط سلطة الدولة:

يشترط الاعتماد على القوات الذاتية لبسط سلطة الدولة، لا على قرارات تُفرض من قوة احتلال.

3- المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة:

تكفل حق الدفاع المشروع عن النفس في حال وقوع عدوان، وهو حق تخلت عنه السلطات اللبنانية منذ 28 تشرين الثاني 2024.

4- القرار 1701 (2006):

ينص على انسحاب إسرائيل إلى ما وراء الخط الأزرق ووقف الانتهاكات، وأي تعديل (كسحب السلاح شمال الليطاني) خارج الإطار يعد إخلالًا بحق لبنان.

5- القانون الدولي الإنساني – اتفاقية جنيف الرابعة (1949):

تحظر على قوة الاحتلال فرض ترتيبات سياسية أو أمنية لصالحها على الدولة المحتلة.

6- المسؤولية الجزائية:

تسهيل أهداف الاحتلال قد يرقى إلى الخيانة العظمى محليًا، وجريمة حرب دوليًا، وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

المصدر: موقع إضاءات الإخبارية