كتب الأستاذ حليم خاتون:
كان أمام إيران من الوقت والمعرفة والفقه والحجّة في العقد ونصف من السنين التي مرت ما يكفي لامتلاك قوة ردع نووية...
إذا كان مليار دولار من الشيخ زايد للمشروع النووي الباكستاني هو ما أدى إلى امتلاك باكستان القنبلة؛ ماذا كان ينقص الجمهورية الإسلامية؟
بالتأكيد، ليس المال هو ما كان ينقص...
من يعرف كيف اكتسب الطلبة الإيرانيون هذه المعارف في الجامعات الغربية أيام كانت إيران لا "شرقية ولا غربية"، وما هو الثمن الذي دُفع؛ يعرف أن مئات الجنازات كانت تعود إلى إيران كل سنة تحمل وفيات غامضة...
أُضطر العديد ممن "فلت" من بين أيدي اجهزة المخابرات حمل أسماء وهمية غير إيرانية وإخفاء الموهبة والذكاء إلى جانب الهوية...
ناهيك عن الحصار الخانق الذي خضعت له هذه الدولة الفتية من جميع الدول العظمى، وطبعا من المنظومات التابعة لهذه الدول...
الذي منع اقتناء هذا الردع هم مجموعة من علماء الدين الروحانيين الذين قدّروا قيمة الحياة وخافوا من البارئ على كل نطفة خلقها؛ على رأس هذه الدولة كان مؤسس الجمهورية الإسلامية، الإمام روح الله الموسوي الخميني...
هي فتوى أفتاها رجل دين ودنيا بلغ من القدر والعظمة مبلغا...
إلا أنه توفي قبل عقود من إدراك مدى فداحة خطيئة هذه الفتوى...
لم يكن الإمام معصوما...
قد أفتى في حياته بأكثر من مسألة عاد عنها، والعودة عن الخطأ فضيلة...
لكن الإصرار في إيران على ما يشبه عبادة الشخصية في النظام السوفياتي الستاليني، أدى بنظام الجمهورية الإسلامية إلى أكثر من مأزق استراتيجي...
كان أمام إيران مثال جمهورية كوريا الديمقراطية التي لم تتجرأ الإمبريالية الأميركية على الاقتراب منها رغم ذهابها علنا وعلى الملأ إلى روسيا وأوكرانيا حيث قامت بتغيير المعادلات في مقاطعة كورسك...
هل فات الأوان؟
وحده النظام في طهران وقم يعرف ما بقي من هذا اليورانيوم المخصب، وما بقي من أجهزة الطرد المركزي للوصول إلى ٩٠% تخصيب وإنتاج القنبلة...
وسائل إيصال هذه القنبلة إلى حيث يجب موجودة، وهناك أكثر من وسيلة...
على ماذا راهن النظام في إيران لردع الأميركيين من التمادي في الأعمال الشيطانية الشنيعة؟
وحدهم اهل هذا النظام يستطيعون القول...
كل المحللين قالوا بأن الرد على الأميركيين سوف يؤدي إلى وضع اصعب بكثير على الجمهورية الإسلامية...
الأميركيون الذين يقفون خلف معظم الشرور التي تدور في هذا العالم...
الأميركيون الذين يحملون وزر إبادة عشرات الملايين من سكان القارة الأصليين...
الأميركيون الذين يمولون ويسلحون ويحمون أكثر وحوش هذا العصر خسة ونذالة في كيان الاستيطان في فلسطين...
يستطيع هؤلاء الأميركيين ارتكاب المجازر والإبادة دون أن يرف لهم جفن...
قد فعلوها في هيروشيما وناكازاكي...
فعلوها في فيتنام؛ في لاوس؛ في كمبوديا، في غيرها...
كانوا السند الأساسي لنظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا بفضل خبرتهم في الإبادة وفي اقتناء العبيد والمحافظة على نظام فصل عنصري استمر قرونا ضد الأميركيين من البشرة السوداء والسمراء والصفراء...
لا يزال أمثال إبن تيمية من الأميركيين الإنجيليين يتحكمون بكل مفاصل الحياة في تلك القارة التي تحمل بصمات الإجرام كيفما دارت ودارت معها دورة الحياة...
لكن عدم الرد على الأميركيين يعني الأمر نفسه...
الأميركي هو من يمد الاسرائيلي بكل أدوات التدمير وهو من يؤمن التزويد بالوقود في الجو او حتى تقديم القواعد التي يسيطر عليها في العراق وسوريا والخليج وتركيا والأردن...
لذلك عندما قامت إيران بالرد على قاعدة العُدَيد في قطر، كان هذا الرد اقرب إلى قنبلة صوتية...
لماذا تحرص إيران على رمزية الرد؟
لماذا تحرص إيران على الشعور العربي الكاذب الذي لم يرف له جفن لا في فلسطين ولا في سوريا ولا في لبنان؛ بل كان مساهما، مشاركا بالفعل أحيانا، وبالصمت أحيانا أخرى...
خرجت إدانات نظام رسمي عربي يستطيع بالكاد تغطية عوراته التي لا تعد ولا تحصى...
سنّ بنو سعود الذين منذ سنين قليلة فقط حاصروا قطر وارادوا تجويعها؛ سنّوا السيوف التي لا تعرف إلا قطع رقاب أصحاب الحق والشرف والعنفوان...
أشباه الرجال تحولوا فجأة إلى أقزام بين أهل الأرض، ربما هي مرحلة في سلم التطور الدارويني...
عرب مخنثون؛ دود الأمة وبرازها كما وصف بعضهم الرئيس الباكستاني الذي عرف قدر هؤلاء أمام هول ما يحدث في فلسطين...
لكن هكذا تكون إيران "ردت!" من جهة؛ ولو صوريا...
ومن جهة ثانية لا تكون تسببت بأي أذى للأميركيين يدفعهم إلى الاندفاع اكثر في هذه الحرب الوحشية ضد الشعوب الايرانية النبيلة...
لكن الحق يجبر على رؤية جوهر المشكلة الذي يكمن في هذه الاستراتيجية تحديدا؛ استراتيجية الصبر الاستراتيجي الذي يرافق القنابل الصوتية، والتهديدات الفارغة التي تغش الحليف قبل الخصم...
انها استراتيجية مبنية على المظهر الندي في مقابل الأميركيين في نفس الوقت الذي لا تملك إيران مقومات هذه الندية القطبية...
صحيح أن إيران دولة اقليمية كبرى...
لكن إيران ليست دولة عظمى...
مواجهة الأميركيين واجبة...
لكنها تحتاج إلى طرق مرت فيها شعوب أخرى وما على إيران إلا التعلم من هذه الشعوب...
لا احد يطلب من إيران معجزات هي غير قادرة على اجتراحها...
إذا أرادت إيران البقاء مخلصة لمبادئها، عليها تغيير سلوكياتها الحربية، في التكتيك، وفي الاستراتيجيا...
الفيتناميون، الجزائريون... شعوب كثيرة لجأت إلى الحروب الشعبية الطويلة الأمد...
الطرف الأضعف في اي معادلة يجب أن يعتمد الحرب الشعبية...
اليمن اليوم هو افضل درس...
غزة فاقت تجربتها كل تحارب الشعوب الحرة الأبية...
هاجموا بما ملكتم من قوة حتى لو أدى ذلك إلى مجيء الأساطيل ونزول الجيوش الأميركية إلى البر الإيراني...
كل هذا مطلوب، لأن في هذا مقتل الأميركيين...
نزول الأميركيين إلى البر في العراق وافغانستان أرجعهم في صناديق خشبية...
فقط هكذا يمكن هزيمة أميركا القوة العظمى واجبارها على الهرب من غرب آسيا...
أما القاعدة الأميركية الأكبر في المنطقة، دولة الكيان...
هنا نأتي إلى خطيئة إيران أثناء حرب طوفان الأقصى...
ما تعانيه اليوم إيران يعود بشكل اساسي إلى عدم دخولها الحرب بشكل فعلي حين وجب ذلك؛ لذلك ينطبق عليها المثل القائل:
أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض...
ارتكبت إيران مأساة عندما سمحت لحلف الناتو التكتل في قوة واحدة، بينما تم استفراد كل طرف من اطراف محور المقاومة على حدة...
أكبر دليل على هذا الأمر ما حصل مع حزب الله الذي ظل يتجنب الحرب الكبرى إلى أن شنت أميركا والناتو الحرب الكبرى عليه وحده من كل الجهات...
وعندما قرر البدء بتنفيذ خطط الدخول إلى الجليل، كان الوقت قد فات وتم اغتيال قادة الرضوان المكلفين بهذه المهمة...
ما علينا...
ما حصل مع حزب الله قد حصل...
لقد دفع هذا الحزب ولا يزال يدفع ثمن أخطائه ليس عبر استهدافه من قبل العدو الإسرائيلي فحسب، بل عبر كل المستَكلَبين في الداخل من شارل جبور إلى يوسف خوري الذي لا يجرؤ النظام القضائي اللبناني على اعتقاله رغم إعلانه على الملأ إنه يقف مع العدو الإسرائيلي...
ليس هناك من حل سحري لمنع الدمار والقتل والبلطجة الاميركية الغربية على إيران...
لكن هناك حل واحد كفيل بأن يكون ثمن كل هذا رأس الناتو، ورأس أميركا، وبكل تأكيد، رأس الكيان الذي سوف يزول في هذه الحالة...
تحدثنا سابقا وأكثر من مرة عن فتنمة الصراع...
لقد قامت غزة بفتنمة الصراع، فتفوقت على اساتذتها الفيتناميين في قتال الحرب الشعبية...
هذا بكل أسف ما توقف حزب الله عن فعله بعدما اجترح مقاتلوه المعجزات خلال واحد وستين يوم على الحافة مع حدود فلسطين المحتلة...
من أصل تسعين مليون إيراني لا يحتاج الأمر إلى اكثر من تعبئة شعبية تؤمن ١٠% فقط من هذا الشعب؛ وهؤلاء موجودون في حرس الثورة والباسيج والجيش...
يجب الدفاع عن إيران بقوة الجيش النظامية، وتحويل القوات الرديفة إلى ما يشبه تشكيلات الفيتكونغ لتخوض الحرب في كل الجغرافيا الإيرانية وقد نجح هؤلاء في النيل من عملاء الموساد...
نفس الأمر يجب تكراره في العراق...
هل يُعقل أن يسرح الأميركي ويمرح في بلاد الرافدين وأهل النشامى يمشون "جنب الحيطة!"...
كفى عارا...
هل يُعقل ترك قيادة الأمة في أيدي المخنثين الجبناء من هذه الأمة؟
فجر اليوم ٢٤/٦/٢٠٢٥، أعلنت أميركا وقفا لإطلاق النار من طرف واحد...
هي خطوة تشبه ما حدث في لبنان حين قبل حزب الله بوقف نار تخرقه إسرائيل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة...
هل تقبل إيران بنفس الوضعية؟
ماذا عن لبنان؟
ماذا عن العراق والقواعد الأميركية فيه؟
ماذا عن سوريا التي اضحت في يد ياكوف الشرع ورذلاء البغضاء والمنكر؟
ماذا عن فلسطين التي تبقى ابدا ودوما أم كل المشاكل والمآسي وجرح المشرق النازف؟
في الساعات القليلة الآتية سوف يتحدد مصير هذه الحرب...
من يتوهم انها نتيجة لا غالب ولا مغلوب إما غبي، وإما غبي...
من سوف يخرج ليحدث عن إعادة ترميم قدرات محور المقاومة هو ليس بغبي... لكنه استغباء لكل أهل المحور...
نحن على شفير قرارات مصيرية...
إما أن نقوم فعلا، وإما نقول إن أميركا عادت لحكم عالم بقطب واحد لأن الروس والصينيين مشغولون بكل شيء إلا حرية الشعوب وإقامة نظام عدل دولي فوق الجميع...
