٤/٧/٢٠٢٥
كتب الدكتور ميخائيل عوّض:
١
تَفصِلُنا ساعاتٌ عن زيارةِ نِتنياهو لواشنطن ولقائِه ترامب، حيثُ المُتوقَّعُ أن يُعلِنَ هُدنةً لستّينَ يوماً. يَكثُرُ الأملُ بأن تكونَ كافيةً لوقفِ الحربِ والبَحثِ في ترتيباتٍ مُستدامة، والأصحِّ طويلةِ الأمدِ.
تَكثُرُ التكهناتُ والتسريباتُ عن المضمونِ، وعن مستقبلِ حماسَ وإدارةِ غَزَّة، بل ومستقبلِ الصراعِ العربيِّ الصهيونيِّ بما هو فصلٌ طويلٌ من حروبِ القرنِ بين الشرقِ والغربِ، لم تَضَعْ بعدُ أوزارَها، وتَتَبَيَّنُ نتائجُها ومساراتُ المستقبلِ لفلسطينَ والعربِ والإقليمِ.
٢
نستطيعُ تَلَمُّسَ الآثارِ والنتائجِ بصورتِها العامَّةِ.
فلا دُخانَ بلا نارٍ، ولا حدثَ بلا مُقدِّماتٍ، والمقدِّماتُ تَحكُمُ بالضرورةِ النتائجَ.
في المقدِّماتِ كانت غَزَّةُ المبادِرَةَ في الطوفانِ العجائبيِّ، ولواحدٍ وعشرينَ شهراً صمدَتْ وقاتَلَتْ ببسالةٍ، وأعدَّتْ وجَهَّزَتِ الرِّجالَ الأساطيرَ، وأفشَلَتْ كُلَّ المشاريعِ التي طُرِحَتْ لتصفيةِ المقاومةِ وتهجيرِ الغزِّيِّينَ.
التسفيرُ إلى سيناءَ فشِلَ، والتسفيرُ عبر البحرِ والجسرِ الأميركيِّ العائمِ سَقَطَ، واحتلالُ غَزَّةَ بعد تدميرِها أَصابَ الجيشَ والمجتمعَ الإسرائيليَّ بالكوارثِ والأزماتِ، وعَجَزَ الجيشُ عن فرضِ الاحتلالِ وكسرِ إرادةِ الصمودِ والمقاومةِ، بل وأعدَّتْ المقاومةُ الكمائنَ، وتَبَلَّتْ كثيراً ونوعياً، وبأداءٍ أسطوريٍّ أذهَلَ الخُبَراءَ والقادةَ، وأَوقَعَتْ وتُوقِعُ الخسائرَ الفادحةَ، وما زالت تُقاتِلُ بنفسِ البسالةِ والتصميمِ، بلا تردُّدٍ ولا رِهاناتٍ على المفاوضاتِ، ولا على إمكانيَّةِ اقترابِ زمنِ الهدنةِ، بل شَدَّدَتِ الضرباتِ تَواتُراً وقُوَّةً، ولم تُظهِرْ أيَّ تَراجُعٍ أو مُؤشِّراتِ عَجزٍ أو استِعجالٍ للتسليمِ والتفريطِ.
٣
مُفاوِضُها لم تَبدُ عليه حالاتُ ارتباكٍ أو تأزُّمٍ أو استعجالٍ، فَصَلابتُهُ مِن صلابةِ أهلِ غَزَّةَ وأسطورَاتِها.
وبحسبِ متابعاتِنا، فكُلُّ الخططِ والاقتراحاتِ، وآخِرُها "ريفيرا ترامب"، لم تَجِدْ لنفسِها طريقاً في التنفيذِ، بالرغمِ من أنَّ ترامب أعطى نِتنياهو وجيشَه، ومعه أميركا ونظامَها وعالمَها الأنجلوساكسونيَّ، كلَّ الوقتِ، وكلَّ الأسلحةِ والذخائرِ، والخُبَراءَ، والدَّعمَ المُفرِطَ. وأشادَ بِنِتنياهو، وقرَّرَ إنقاذَهُ من المحاكمةِ، وأنقذَ إسرائيلَ من أن تُدمِّرَها إيران.
٤
بعدَ واحدٍ وعشرينَ شهراً، وهي بِعِلْمِ الحروبِ، وبقَدرِ ما تَملِكُ إسرائيلُ مِن عناصرِ التدميرِ والإفناءِ، وبِحَجمِ ما ألقَتْ على غزَّةَ مِن قنابلَ وأسلحةٍ، وعددِ القتلى والجرحى، والأبنيةِ المُدمَّرةِ، تُساوي دهراً من الحروبِ التقليديةِ، ولم تَرفَعْ غزَّةُ ومُقاومتُها رايةً بيضاءَ، ولا هيَ مُستعدَّةٌ لذلك.
وفي حربٍ شاركَتْ فيها كُلُّ قُوَى الكونِ المُهيمِنةِ، تجويعاً، وحِصاراً، وتآمُراً، وقتالاً، تَشمَخُ رايةُ غزَّةَ المُقاوِمةِ، وتَكتُبُ نصراً ثميناً، عزيزاً، نوعيّاً، مُغيِّراً بالأحوالِ، وبمساراتِ أزمنةِ فلسطينَ والعربِ والإقليمِ.
٥
مُنذُ اليومِ الأوَّلِ للحربِ، وحَجْمِ التضليلِ والتهويلِ والتخويفِ، قُلنا: الحربُ تُحتَسَبُ بنتائجِها عندما تَقِفُ، لا بمساراتِها، ولا بكُلفتِها، ولا بشدَّتِها ومسارِحِها.
وذكَّرنا بِعُلومِ الحروبِ وتاريخِ الجيوشِ، أنَّ مَن يُقَرِّرُ نتائجَ الحروبِ، طالتْ أو قَصُرَتْ – وخاصَّةً إذا طالتْ – هي البيئةُ الاستراتيجيَّةُ، وميزانُ القوى الكُلِّيُّ، وكلُّها ليست في صالحِ إسرائيلَ وحِلفِها في الحربِ، وصياغةِ نتائجِها، وتقريرِ مساراتِ الأزمنةِ.
٦
سَنَسمَعُ كثيراً على لسانِ المُهَوْبَرينَ، والشَّتّامينَ، والمَهزومينَ، ومِن أنصارِ نِتنياهو، وترامب، وحِزبِهِما العربيِّ والإسلاميِّ، وسيَكثُرُ التَّبَيُّعينَ سَرديّاتِهم وشتائمَهم.
ليس مُهمّاً، فالكلامُ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، وتُسقِطُهُ الوقائعُ القَطعيَّةُ بوضوحِها.
ويَبقَى الحُكمُ على مَن هُزِمَ ومَنِ انتصرَ، القاعدةَ العلميَّةَ والمنهجيَّةَ بالإجابةِ على سؤالٍ: ماذا حَقَّقَ نِتنياهو مِن أهدافِه في الحربِ؟
وبِناءً عليه، تُطلَقُ الأحكامُ العلميَّةُ الواقعيَّةُ والعاقلةُ.
غداً، وبعدَ الإعلانِ – إن تمَّ – لنا كلامٌ أوضحُ وأدقُّ.
لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت مع ميخائيل عوض على الرابط:
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=9qbBkVg5n_vpqmOS


