الصين في قلب العاصفة: بين نيران العالم وصراع الأقطاب
مقالات
الصين في قلب العاصفة: بين نيران العالم وصراع الأقطاب
وائل المولى
11 تموز 2025 , 12:07 م

العالم يحترق على أكثر من جبهة: حرب طاحنة في أوكرانيا، اشتعال إقليمي بعد حرب إسرائيل على إيران واليمن، تمدد أميركي جديد في الشرق الأوسط، وتحولات متسارعة في موازين القوى، وبين هذه العواصف، لا تقف الصين على الهامش كما يظن البعض، بل تتقدم بهدوء، تُدير مصالحها، وتعيد تشكيل استراتيجيتها في مواجهة عالم يتغيّر.

بين الحرب والسلام: الصين على خط الزلازل العالمية

منذ اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، اختارت الصين أن تكون "غير محايدة" دون أن تكون مشاركة عسكريا، فهي دعمت موسكو اقتصاديا ودبلوماسيا، ورفضت الانجرار خلف العقوبات الغربية، لكنّها حرصت على عدم كسر شعرة مع أوروبا.

أما في الشرق الأوسط، فالحرب الإسرائيلية على إيران واليمن وضعت بكين أمام اختبار جديد. فعلاقاتها مع طهران ليست سطحية، بل استراتيجية ضمن مشروع "الحزام والطريق"، كما أن لها مصالح اقتصادية في مضيق هرمز، وفي موانئ البحر الأحمر واليمن.

ومع صعود جماعة "أنصار الله" في اليمن، باتت الصين تُدرك أهمية هذه الجبهة في حماية طرق التجارة والطاقة، لا سيما مع استهداف إسرائيل المتكرر لمرافق البنية التحتية في الحديدة والصليف ومضيق باب المندب.

عودة ترامب: مرحلة الخطر الحقيقي تبدأ الآن

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تدخل الصين مرحلة من المواجهة المفتوحة. فهو الرئيس الذي أطلق أول حرب جمركية ضدها، وأعاد تعريف العداء الاستراتيجي بين واشنطن وبكين.

اليوم، وفي ولايته الثانية، يعيد ترامب رفع الرايات نفسها:

ضرائب جديدة على المنتجات الصينية.

تضييق خانق على شركات الاتصالات والتكنولوجيا.

تحالفات عسكرية متجددة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ.

دعم مباشر لتايوان، كخط اشتباك أول.

وبينما تنشغل واشنطن بمواصلة عسكرة المنطقة، لا يبدو أن الصين ستدخل في مواجهة مباشرة، لكنها بدأت تعمل على استراتيجية احتواء مزدوجة: مقاومة اقتصادية طويلة الأمد، وتوسيع شبكة النفوذ العالمية عبر أدوات ناعمة.

لا انسحاب أميركي … بل تقدم ميداني

الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة سقط نهائيا، فترامب وبدعم واسع من اللوبيات العسكرية والمالية أعاد:

تعزيز قواعده في العراق وسوريا والخليج.

تمكين عمليات إسرائيل في اليمن ولبنان.

إعادة تفعيل الشراكات الأمنية في الخليج تحت مظلة "ردع إيران" و"ضمان أمن الملاحة".

وهذا يعني أن الصين باتت مطالبة بالتفكير بطريقة جديدة. فالمنطقة لم تعد ساحة اقتصادية صافية، بل ميدان اشتباك متحرك بين النفوذ الأميركي الصلب والمصالح الصينية الناعمة.

البريكس: سلاح الصين الاستراتيجي الجديد

في مواجهة الأحادية الأميركية، تعمل بكين على تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب عبر منظومة "البريكس".

فمن خلال هذا التحالف الذي يضم روسيا، البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا، وإيران والسعودية ومصر لاحقا، تحاول الصين أن:

تكسر هيمنة الدولار.

تؤسس لبنك تنمية مستقل.

توفر مظلة حماية مالية وسياسية لحلفائها.

ومع توسع البريكس نحو الجنوب العالمي، بات واضحا أن بكين تُخطّط لصياغة نظام عالمي موازٍ، لا يكون فيه القرار بيد واشنطن وحدها.

خاتمة: الصين تصعد بلا ضجيج

بين صخب الحروب ومهرجانات القوة الأميركية، تختار الصين طريقا مختلفا، لا تهتف، لا تُهدد، بل تعمل بصمت، تبني علاقات، وتتمدّد اقتصاديا.

لكنّ صعودها لم يعد يُخفيه الحذر، ومع عودة ترامب، واندلاع الحروب الكبرى، قد تجد بكين نفسها مجبرة على التخلي عن سياسة "الصبر الطويل" لصالح معادلة أكثر حسما.

العالم يتجه نحو نظام جديد، لا تسوده العولمة ولا الانغلاق، بل صراع مكشوف بين أقطاب كبرى.

وفي هذا الصراع، لم تعد الصين تكتفي بمقعد المراقب … بل تمسك تدريجيا بمقود القيادة.