من "نتساريم" في قلب غزة حتى مرتفعات جبل الشيخ على تخوم لبنان وسوريا، يتحرك بنيامين نتنياهو بخطى محسوبة نحو تحقيق الحلم القديم: "إسرائيل الكبرى". لم يعد هذا المفهوم أسير الروايات التوراتية، بل تحوّل إلى مشروع سياسي متكامل، تُمليه الجغرافيا وتدعمه اللحظة الإقليمية، ويتغذّى من الخوف القومي الإسرائيلي.
ما بين الميثولوجيا والسياسة: تحويل الحلم إلى نظام
"من النيل إلى الفرات" لم تعد خريطة معلّقة على الجدران، بل رؤية سياسية تستند إلى السيطرة دون الضم، وإلى التحكّم دون الاحتلال المباشر.
نتنياهو لا يبحث عن ضم شامل، بل عن هيمنة ذكية على الحدود والثروات والممرات الحيوية.
ففي غزة، أعيد بناء "نتساريم" كرمز لإعادة وصل الجنوب الإسرائيلي بغلاف غزة الأمني.
أما في الشمال، فتل أبيب تواصل تكثيف عملياتها الاستخباراتية في جبل الشيخ وتسعى لتثبيت منطقة أمنية في جنوب لبنان، كامتداد طبيعي لعقيدتها الدفاعية.
شرق أوسط يُرسم من جديد
ما يجري ليس مبادرة معزولة، بل جزء من لعبة جيوسياسية أوسع. فتل أبيب تدرك أن الإقليم في لحظة رخوة:
إيران تواجه حصارا متعدّد الأوجه
سوريا تترنّح في فوضى ما بعد سقوط النظام
العراق يعيش على إيقاع الصراعات
والخليج يفتح أبوابه للتطبيع العلني.
في هذا السياق، تسعى إسرائيل إلى قيادة نظام إقليمي جديد، تكون هي فيه المحور، والآخرون إمّا تابعون، أو شركاء في الظل.
الداخل الإسرائيلي: تعبئة بالجُرعة القومية القصوى
وعد "إسرائيل الكبرى" لا يُوجَّه فقط للعالم الخارجي، بل يشكّل أداة داخلية لتوحيد الصفوف والتغطية على الأزمات.
فنتنياهو يستخدمه كدرعٍ دعائي لتجاوز ملفاته القضائية، وتحويل النقاش العام من قضايا الفساد إلى تهديدات وجودية:
"الخطر الإيراني"
"التهديد الديمغرافي"
و"الفوضى على الحدود"
كلها عناصر تُستخدم لإبقاء الشارع في حالة استنفار دائم، وتبرير السياسات المتطرفة.
بين الجموح والانفجار
السؤال الجوهري: هل يمكن لإسرائيل أن تُكمل هذا المشروع دون أن تُشعل المنطقة؟
الوقائع تقول إن ذلك محفوف بالمخاطر:
المقاومة اللبنانية بدأت تتعافى لتكون على أعلى درجات الاستعداد
إيران رغم الحصار والحرب عليها ما زالت قادرة على الرد المؤلم
اليمن بات رقماً إقليمياً صاعداً
والمجتمعات العربية لا تزال تختزن غضباً قابلاً للاشتعال.
التمدد الإسرائيلي، وإن بدا محكما، إلا أنه يجري فوق أرضٍ مليئة بالألغام.
خاتمة:
"إسرائيل الكبرى" ليست مجرد خريطة، بل مشروع فرض واقع جديد بالنار والمال والدبلوماسية.
لكن هذا المشروع، رغم ما يُبذل له من تخطيط وتحالفات، ليس مضمون النجاح.
فالتاريخ مليء بالإمبراطوريات التي توسّعت ثم تفكّكت، والشرق الأوسط منطقة لا تقبل الهيمنة بسهولة.
وقد يكون مشروع نتنياهو ذروة الحلم الصهيوني،
لكنه أيضا قد يكون بداية النهاية لإسرائيل.