تمكّن باحثون من معهد سالك للدراسات البيولوجية في الولايات المتحدة من تحديد مسار عصبي في الدماغ يربط بين الإحساس الجسدي بالألم والاستجابة العاطفية له، هذا المسار هو المسؤول عن تحويل الألم البدني إلى معاناة نفسية ، مما يجعل التجربة أكثر قسوة ويحوّل الإصابة المؤقتة إلى عذاب مزمن.
الألم ليس إحساسا جسديا فقط بل تجربة عاطفية معقدة
لطالما اعتُبر الألم إشارة تحذير جسدية تُنبئ بوجود ضرر في الجسم، لكن الحقيقة أن الألم هو أيضا تجربة نفسية عميقة، فالمعاناة هي ما يجعل الألم لا يُحتمل، وتدفع الإنسان إلى القلق والتجنب وحتى الاكتئاب.
يقول الباحث سونغ هان، مدير كرسي تطوير صندوق الرواد في معهد سالك: "بحثنا يقدّم أدلة قوية على أن أحد فروع المسار الحسي للألم يشارك مباشرة في تكوين الاستجابة العاطفية له."
دور الثالاموس وCGRP في معاناة الألم
حدد الباحثون مجموعة من الخلايا العصبية في منطقة الثالاموس تنتج الببتيد CGRP المرتبط بجين الكالسيتونين، هذه الخلايا تلعب دورا محوريا في تحويل الألم إلى معاناة.
وباستخدام تقنيات التحكم الجيني والضوئي (optogenetics)، تمكن العلماء من "إيقاف تشغيل" هذه الخلايا العصبية لدى الفئران، وكانت النتيجة مدهشة:
استجابت الفئران للمؤثرات المؤلمة جسديا، لكنها لم تُظهر علامات القلق أو الرغبة في الهروب، وعند تنشيط هذه الخلايا صناعيا، أظهرت الفئران سلوكا قلقا وتجنبيا حتى دون وجود أي تهديد فعلي.
تساعد هذه النتائج في فهم حالات مثل الفيبروميالغيا والصداع النصفي، حيث يعاني المرضى من ألم شديد دون سبب جسدي واضح، ويعتقد العلماء أن فرط تنشيط مسار CGRP قد يجعل الدماغ يبالغ في تفسير الإشارات العادية، فيحوّلها إلى مصادر للمعاناة.
ومن اللافت أن بعض الأدوية التي تحجب CGRP تُستخدم بالفعل لعلاج الصداع النصفي، وقد تُسهم هذه الدراسة في تحسين فعاليتها عبر فهم أعمق للآلية العصبية.
علاج جديد للألم المزمن
يشكّل هذا الاكتشاف تحولا كبيرا في فهمنا لآلية الألم، ويُمهّد الطريق نحو علاجات تستهدف المعاناة النفسية للألم، وليس فقط الإحساس الجسدي به، مثل هذه الاستراتيجيات قد تغيّر حياة ملايين الأشخاص الذين يعيشون مع ألم مزمن يوميا.