كتب د.علي حجازي:
ثقافة
كتب د.علي حجازي: "التابع"
د. علي حجازي
13 تموز 2025 , 12:36 م


قصّة قصيرة جدًّا

حَمَلَ حديدةً صَدِئَة، وأسرجَ حمارًا أعرجَ. امتطاهُ وخرج.

نفج حِضْنَيْهِ ثم انتخى، ونعق كغرابٍ أبقعَ يفحصُ التُّربَ على وجهه .

كانت الكلماتُ تأْتآتٍ خارجةً من فمه مصحوبةً برذاذِ لُعاب مسموم :

"سأقصُّ إِبَرَ الشَّوْكِ وأجنحةَ النسور ،سأنزعُ أنيابَ الآسادِ الضواري ومخالبَ الطيورِ الجارحةِ المُحلِّقةِ في البراري.

سأنْقَضُّ على أشواكِ الورود، لن أُبْقِيَ منها واحدة".

حدَّقَ إلى الأشبالِ المتوثِّبَينَ المرابطينَ على حدودِ الوطنِ يتربّصونَ بتلك الذئابِ الدمويّةِ وبالأفاعي القاتلة، وقال:

"سأنزعُ ما يختزنهُ هؤلاء الأشبالَ من قوّةٍ رادعة. سوف أستعين عليها بأنيابِ الذئابِ الحادَّة.

أنا الآنَ سيّدُ الغابة، ولن يقفَ في وجهي أحد.

سأُحْرِقُ القِنْدَوْلَ والعوسجَ والبلَّان، وأبْتُرُ أشواكَ الزعرورِ وأغصان السنديان،وسأخلع إبرَ النحلِ والدبابير، فأنا لا أحبّ الأشواكَ والإبرَ أبَدا".

غرَّدتِ البلابل:

" صحيح، فأنتَ لا تحبُّ الإبَرَ والمخالبَ والأنياب، ولا الأشواكَ والمناقيرَ والأظفار، أنتَ داعيةُ خُضوعٍ واستسلام ، وأعورُ لا ترى ما زوّدَ اللهُ بهِ المخلوقاتِ من وسائطِ المقاومةِ والدِّفاعِ عنِ الأنفُسِ والأرض، عن البيوت والأعراض؛ لأنّك لا تَفْقَهُ معنىً للمقاومةِ التي خلقها اللهُ في هذا الكون.

أفلا تنظرُ إلى الجسمِ الذي لولا المناعةُلقضت عليه الفيروسات؟ ولولا وجودُجذورِالأشجارِلَجَرَفَتِ السيولُ التُّرَب، ولولا تعزّزُ الرملِ بالماءِ لذرّتهُ العواصفُ الهوجاء.

نعمْ،أنتَ تُحاذِرُالتلفُّظَ بالمقاومةِ

لأنّكَ تراها خطرًا عليكَ وعلى الڤيروساتِ، أسيادِكَ وأمثالِك.

صغيرٌ أنت. مُتَلوِّنٌ مثلَ حرباء ما نفَعَها تلوُّنُها يومًا.

أفعوانٌ سامٌّ إنْ لم تَجِدْ ماتُفرِغُ فيه سُمَّكَ النَّاقِعَ تَمُتْ.

لِتَمُتْ ولْتُرِحِ الغابةَ، منكَ ومن أتباعِكَ الناعبينَ، صُبْحَ مساءَ، في فضاءِ الغابةِ والأرجاء: انزعوا انزعوا...قبل ذلك: اخلعْ أنيابَ ذلكَ الذئبِ الدَّمَوِيِّ إنِ اسْطَعْت.

اُدْنُ مِنْ تِلْكَ الرقطاءِ إنْ كُنْتَ رجُلا.

إنْزَعْ مخالبَ الصُّقورِ المحلِّقَةِ عاليًا، في سماءِ مَجْدٍ لَنْ تَطُولَهُ أنتَ أبدا.

هؤلاءالأشبالُ لايُعيرُونَكَ اهتماما. هم يُديرُونَ لكَ ظهورَهم حاذرين لِعلمهم بِما تُعِدُّهُ لهم ليلًا ونهارا، سرًِّا وجهارا.

هم يسعَوْنَ إلى مواجهةِ الذئاب؛ وأنت تغرزُ سكاكينَ غدركَ في أجسادِهِمُ الطاهرة ، فهلّا تَرْعَوي قبل أن يُعَدِّلوا وِجهتهم، فيَميلون عليكُم مَيْلةً واحِدة؟

ألا تخافُ الله أنت...ألا تخشى وقوعَ الفتنةِ التي إن حدثتْ، فلَنْ تُبْقيَ ولن تَذَر،ولنْ تستثنيَ أحدا؟

سمعَ التغريدة. حَكَّ جَبْهَتَهُ المَصبوغةَ بالعارِ والذلِّ والشَّنار، وراح يُتَأْتِئُ بكلامٍ غيرِ مفهوم، وأخذَ يُحدِّقُ إلى ساعتِهِ وَجِلا، وشَرَعَ يُصْغي إلى زئيرِ الأشبالِ، يقولونَ ويُعيدون:

"طريقُكَ مسدودٌ، وحَجْمُكَ محدود، ومصيرُكَ شبيهُ مصيرِ النّمرود، فما أنت إلّا حقيرٌ مِنْ أصحابِ الأُخْدُود.

هل وَصَلَتْكَ الرِّسالةُ، أم نُكَرِّرُ ونعيد؟

بيروت في 10/7/2025.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري