في شمال لبنان، تقف عكّار على هامش الخريطة، ليست فقط جغرافياً بعيدة عن العاصمة، بل هي أيضاً بعيدة عن القرار والخدمة والعدالة.
رغم أنّ عكّار نالت رسمياً صفة “محافظة” منذ العام 2003، إلا أنّ التعاطي معها لا يزال أشبه بالتعامل مع منطقة خارجة عن التخطيط الوطني، فعدد الدوائر الرسمية الفاعلة فيها يكاد لا يتناسب مع حجمها السكاني والجغرافي، والبنى التحتية في معظم قرى القضاء لا تتخطّى حدود الحد الأدنى.
فمن الكهرباء الغائبة إلى الطرقات المدمّرة، ومن إنهيار التعليم الرسمي إلى شبه إنعدام الرعاية الصحية، تعيش عكّار على إيقاع المعاناة اليومية، ومع كل أزمة تمرّ على لبنان، تتضاعف آثارها هنا، حيث لا شبكات دعم، ولا مؤسسات حقيقية، ولا بنية قادرة على إمتصاص الصدمات.
بين النزوح والتهريب … حدود بلا ضوابط
مع إندلاع الحرب السورية، إستقبلت عكّار مئات آلاف النازحين، وفتحت أبوابها بكرم أهلها، لكنّ غياب خطة حكومية واضحة لتحمّل هذا العبء الإنساني – الإجتماعي، حوّل الواقع إلى ضغط دائم على الخدمات، وعلى المجتمعات المضيفة.
تُضاف إلى ذلك قضية المعابر غير الشرعية المنتشرة على طول الحدود الشمالية. هذه المعابر، المفتوحة على مصراعيها، جعلت من المنطقة ساحة مفتوحة للتهريب والتفلّت، وزادت من التحديات الأمنية، في ظل ضعف واضح في الإنتشار المؤسساتي للدولة اللبنانية.
الزراعة مورد بلا دعم … والسياحة فرصة مهدورة
القطاع الزراعي في عكّار كان على مدى عقود المورد الأساسي لأهلها. لكن إرتفاع أسعار المواد الزراعية، وغياب الدعم التقني والمالي، وتراجع القدرة على التصدير، أدّت إلى تدهور الإنتاج المحلي، وإلى هجرة تدريجية من الأرض.
في المقابل، تختزن عكّار ثروة سياحية هائلة: غابات القموعة، وقرى القبيات وعكار العتيقة، ومغارة الزحلان، والساحل المهمل، لكن لا توجد أي بنية تحتية سياحية فعلية، ولا إستثمار جدي في الترويج أو التخطيط، ما جعل هذه الموارد تُترك جانباً، في وقت تبحث الدولة عن حلول للنهوض الإقتصادي.
الناس همّ الحكاية
ورغم كل ما سبق، لم تستسلم عكّار، ناسها لا يزالون يحلمون. البلديات تجهد ضمن إمكانياتها، المجتمع المدني يحاول، والمبادرات الفردية تنبت يوماً بعد يوم. الصمود هنا ليس خياراً، بل نمط حياة. فحين تغيب الدولة، لا خيار سوى أن تُصبح الأرض مصدراً للكرامة، والناس صوتاً للوجع.