براك في بيروت: وساطة على خط النار أم وصاية مقنّعة؟
مقالات
براك في بيروت: وساطة على خط النار أم وصاية مقنّعة؟
داني القاسم
23 تموز 2025 , 08:13 ص

في توقيت دقيق تمرّ فيه البلاد بين حافة الحرب وبوادر تسوية، حطّ توم براك، المبعوث الأميركي الذي يصف نفسه بـ”الوسيط السياسي”، في بيروت، حاملاً سلسلة من التصريحات التي قد تبدو للوهلة الأولى ودّية، لكن تحت سطورها يكمن مشروع سياسي ضاغط، يمتد من الحدود الجنوبية، مرورا بالضاحية، إلى السراي الكبير، فدمشق والرياض وتل أبيب.

زيارة براك ترافقت مع تصاعد العمليات الميدانية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، وسط تحذيرات إسرائيلية من أن شهر تموز قد يتحوّل إلى نسخة 2024 من حرب 2006، خصوصاً مع تصاعد نبرة التهديدات المتبادلة بين تل أبيب وحزب الله.

في هذا السياق، حديث براك عن إتفاق لوقف إطلاق النار “يصعب تنفيذه” لا يحمل فقط إقراراً ضمنياً بوجود قناة تواصل مباشرة أو غير مباشرة، بل يُفهم منه أن واشنطن تسعى لتثبيت تهدئة مؤقتة ريثما تتبلور خارطة سياسية جديدة في المنطقة.

لكن تأكيده أن “الوقت يداهمنا”، يكشف القلق الأميركي من تفلّت ميداني غير محسوب، قد يُفشل أي محاولة لإحتواء المواجهة ضمن حدود اللعبة الدبلوماسية.

واحدة من أخطر النقاط التي أثارها براك كانت حول السلاح خارج الدولة. ورغم أنه شدّد على أن “الولايات المتحدة لا تطالب بنزع السلاح”، إلا أنه ذكّر بأن القانون اللبناني ينص على وجود مؤسسة عسكرية واحدة، وعلى الحكومة أن “تقرّر كيف تطبّق ذلك”.

هذه الصيغة توحي بأن واشنطن لن تطرح المسألة بشكل مباشر خشية الإنفجار الداخلي، لكنها تسعى لإعادة فتح ملف سلاح حزب الله من باب “القانون والمؤسسات”، أي إلباس الضغط الأميركي طابعاً سيادياً لبنانياً. وهنا تحديداً يكمن الخطر السياسي.

الإجتماع الذي وصفه براك بـ”البنّاء” مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ليس تفصيلًا. بري لا يزال يمثّل قناة التواصل المقبولة أميركياً – إيرانياً – دولياً، حين تغيب القنوات الرسمية أو تتعطل. لكن هذا اللقاء، في خلفيته، يؤشّر إلى أن واشنطن تُعوّل مجدداً على الإعتدال المؤسساتي داخل بيئة حزب الله، وليس على كسره سياسياً أو عسكرياً.

براك ربط بين “إصلاح القطاع المصرفي اللبناني” و”رؤية 2030 في السعودية”، وإعتبر أن لبنان يجب أن “يبحث كيف يمكنه استقطاب مشاريع مشابهة”.

هذا الخطاب يعكس اتجاهاً أميركياً – سعودياً لإعادة تشكيل المنظومة الإقتصادية اللبنانية وفق نموذج ريعي إستثماري مستورد، لا يُعالج جذور الأزمة البنيوية، بل يراهن على الإستقرار الأمني مقابل الاستثمارات.

لكن في ظل بنية سياسية فاسدة، ومؤسسات عاجزة، يبقى هذا الطرح أقرب إلى التسويق النظري، ما لم يُرفَق بخطة إصلاح جذري شاملة، تشمل القضاء، السياسة، ومكافحة الفساد البنيوي.

من أبرز ما أثار الجدل في تصريحات براك، قوله إن “الحكومة السورية الآن جيدة وعلينا دعمها”، وأن “الاستقرار في سوريا يؤمّن الاستقرار في لبنان”.

هذا الموقف يُمثل تحوّلاً ملحوظاً عن الخطاب الأميركي التقليدي المعادي للنظام السوري، ويعكس عملياً قبولاً أميركياً ضمنياً بالوقائع الميدانية والسياسية في دمشق. لكنه أيضاً قد يكون مرتبطاً بصفقة إقليمية كبرى يُعمل عليها، تشمل لبنان، سوريا، الأردن، والعراق، وتُمهّد لترتيبات حدودية – سياسية جديدة.

رغم نفيه وجود مفاوضات مباشرة، تحدّث براك بوضوح عن “البحث في طريقة لإستدامة الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل”، مؤكداً أن إسرائيل لا تريد خوض حرب جديدة.