عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
تتوالى فصول الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ضمن مشروع استيطاني إحلالي يقوم على شطب الوجود الفلسطيني من الجغرافيا والتاريخ معًا. غير أن ما يجعل هذه الإبادة فريدة في حدّتها وخطورتها، هو إقترانها بمسارين متوازيين: طرح التهجير القسري كحلّ وحيد، وغياب الحامي والناصر في النظام الدولي.
1- الأساس القانوني: تشريع الإلغاء الوجودي
بتاريخ 19 تموز/يوليو 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي قانون "الدولة القومية لليهود"، الذي عرّف إسرائيل بأنها وطن قومي حصري لليهود، وحدّد القدس عاصمة موحدة لها، وشرعن إقصاء الفلسطينيين من حق تقرير المصير. كان هذا القانون نقطة تحوّل استراتيجية؛ فمنذ ذلك التاريخ، لم يعد للفلسطينيين أي اعتراف قانوني بوجودهم الوطني على الأرض. ورغم خطورة هذا التشريع، مرّ دون رد فعل شعبي فلسطيني واسع أو تحرك دولي جاد، ما أعطى الضوء الأخضر لمخططات أكثر تطرفًا.
2. البعد التوراتي والبعد الزمني: المؤتمر الصهيوني 2022
في 30 آب/ أغسطس 2022، أحيت النخب الصهيونية في بازل الذكرى الـ125 للمؤتمر الصهيوني الأول، بحضور 1400 شخصية يتقدّمهم الرئيس الإسرائيلي. ورُبط هذا الحدث مباشرة بمشروع "إسرائيل الكبرى"، وجرى، وفق مصادر إعلامية، تكليف نتنياهو رسميًا من قبل كبار الحاخامات بتنفيذ "وعود توراتية مصيرية". كانت هذه لحظة إعلان رمزي عن تحول الصراع إلى صراع عقائدي وجودي، حيث أصبح تنفيذ الإبادة جزءًا من سردية مقدسة لا تحتمل التسويات.
3. محو فلسطين من الخرائط؛ نتنياهو في الأمم المتحدة
في خطابه أمام الجمعية العامة في 22 أيلول/ سبتمبر 2023، قدّم نتنياهو خريطة خالية تمامًا من أي وجود فلسطيني، واضعًا الضفة وغزة تحت اسم "إسرائيل". الخريطة لم تكن تفصيلًا عارضًا، بل إعلانًا نهائيًا عن نية الإلغاء الكامل للهوية السياسية الفلسطينية. المفارقة أن هذا الخطاب تزامن مع تسارع وتيرة التطبيع العربي، ما أرسل للفلسطينيين رسالة واضحة: أن المجتمع الإقليمي والدولي قد سلّم بالمشروع الصهيوني، وتركهم لمصيرهم.
4- من العقيدة إلى المذبحة؛ 7 أكتوبر وما بعده
بعد الهجوم الفلسطيني غير المتوقع في 7 أكتوبر، أطلقت إسرائيل حربًا إباديّة تحت غطاء "الردّ". فبتاريخ 8 أكتوبر، أعلن وزير دفاع العدوآ يوآف غالانت فرض "حصار كامل" على غزة يشمل الطعام والماء والكهرباء، في خرق صارخ لاتفاقيات جنيف. فُرض الموت جوعًا كأداة قتال جماعي. ثم بدأ تدمير المنظومة المدنية: منازل، مساجد، كنائس، مدارس، مستشفيات، آبار مياه... وكل ما يمتّ للحياة بصلة، جرى تدميره.
ومع تصفية مراكز الإيواء ومخيمات النزوح، وتحوّل معابر المساعدات إلى مصائد موت، ارتفع عدد الشهداء يوميًا إلى أكثر من 75 – 100 شهيد. ومع اقتراب المجاعة من أكثر من مليوني إنسان، اختفى أي أثر لتحرك أممي فاعل.
فمجلس الأمن مشلول، الأمم المتحدة صامتة والدول السبع الكبرى تكتفي بالبيانات.
خاتمة: التهجير كحلّ أم فرض؟
في ظل هذا الإطباق العسكري والعقائدي والإنساني، يُطرح التهجير القسري لا كخيار إسرائيلي فحسب، بل كخلاص يائس لشعب تُرك وحيدًا.
فالنكبة تتكرر الآن بأدوات أشدّ فتكًا وصمت دولي أعمق. وما لم يُكسر هذا الصمت، ستتحول الإبادة إلى سياسة معترف بها دوليًا، ويصبح حق العودة ذكرى في كتب التاريخ.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
23 تموز/يوليو 2025