كتب د.علي حجازي: نداء إستغاثة
مقالات
كتب د.علي حجازي: نداء إستغاثة "زينب"
د. علي حجازي
23 تموز 2025 , 09:02 ص

كتب د.علي حجازي: 

مساء الخميس الواقع فيه السابع عشرمن شهر تموز الحالي قصفت مسيرة صهيونيّة عائلة السيد جعفر حجازي بصاروخين، فاستُشهِدَ مع زوجه، ونجت ابنته زينبُ ابنةُ السنوات العشر،بعدما تظاهرت بالموت، حتّى غابت المسيّرة، و أخذت هاتفَ والدِها الشّهيدِ،وأرسلت نداءَ استغاثة.

"زينب"

سيّد جعفر. أيُّها العامليّ الطيّب المرابط على تخوم الشهادة. أيُّها الثابت في أرضٍ لا تملكُ فيها بيتًا. أما علمتَ أنَّ الأفاعيَ سامّة؟

أما عرفتَ أن الذئابَ الدمويّةَ غادرةٌ وجبانة؟

نعم، فهؤلاء الشذاذُ لم يصدِّقوا أنَّ شخصًا يجرُؤ على السكن هناك . راقبوك جيدًا ، وراعَهم أنْ تُطِلَّ،أنتَ وزوجُك وابنتُك من عَلٍ على وادي السلوقي. عفوًا وادي الشهداء، وعلى وادي الحجَيْر.

هؤلاء لا يقبلون أن تكونَ شاهدًا على عويلهم وصراخهم الذي ردَّدته الأودية.

أجل فهم لا يرغبون بك شاهدًا على احتراقِ دباباتهم التي ظنّوها حصونًا مانِعتَهم،فإذا بها تتحوَّل أفرانًا وقبورا.

سيّد جعفر، لقدعانيتَ الحِرمانَ في هذاالوطن،وفي ظلِّ حكوماتٍ تعاقبت، وحِكايَتُكَ معَها حكايةُ الآلافِ الذين يقدِّمونَ أعزَّ ما يملكون، ولا يحصدون سوى الخسرانِ والحرمان.

حكايتُنا تبدأُ بالهمِّ والغمِّ، وتُخْتَتَمُ بالشهادةِ والدم.

أعلمُ مِقدارَ حزنِك لدى سماعِك صرخةَ ابنتِك زينبَ، في عراءِ هذه الأرضِ المنذورة للشهادة، ولِاحْتِضانِ أبنائِها كرامًا مؤمنينَ مُحْتَسِبين.

رحمك اللهُ معَ زوجِك، وأسكنكما فسيحَ جَنّاتِه.

زينب

زينبُ يا وجعَ العمر.

يا امتداداً لصوتٍ جلجلَ في أرجاءِ الطَّف.

يا صرخةً مدويَّة ترجَّعت في الضمائرِ والنفوس، وسرتْ في الأرواحِ ولا تزال.

زينب. أنا أعرفُ لِمَنْ توجَّهتِ بِالنِّداء، وأنتِ تعلمينَ عِلمَ اليقينِ أنَّ الرَّملَ عقيم، لا يُرَجِّع صدىً، بعدما اختنقَ بسوادِ زَيْتِهِ المنهوبِ من الأغرابِ في وضح النهار،وأنَّ الأوديةَ،أودية النفوسِ الضعيفةِ والمريضةِ المطالبةِ بأنْ نحلَّ عن العيشِ معهم.

لا تُرَجِّعُ الصَّرخاتِ الصادرةَ من أعماقِ الروح، وأنَّ الشركاءَ في المواطنةِ أضْحَوا أعداءَ يستلّون سيوفَ الغدرِ، ويستخدمون أساليبَ المكر.

هم يَسعَوْنَ، ليل نهارَ، إلى نزع ما نمتلكُ من قوَّةٍ أوصانا الله، بل أمرنا بالاحتفاظِ بها، والمحافظة عليها.

زينب. يا ابنة العم. صار حبري دمًا ، صار قهرًا. أضحى وجعًا ذرف دموعه على ورق متوثِّب لاحتضانِ صوتِك الذي يبقى ويخلُدُ، بعد أن يذهبَ جميعُ الجبناءِ والخونةِ إلى النوم.

زينبُ.

صوتُ الزينبيّاتِ قويٌّ ونافذ، وهو خالدٌ خلودَ صرخةِ العقيلةِ في فضاءِ الطفِّ تُوقِظُ بِها الهِمَمَ العاليةَ، وتبعثُ ثورةً جديدةً.

نعم. اطمئنِّي يا زينب . لقد عبَرَ نداءُ استِغاثَتِك إلى الأعماق. أعماقِ أرواحِ الأبطالِ عُشَّاقِ البَذْلِ والقِتال.

إنَّ صرخَتَكِ العاليةَ أضحتْ زيتًا يُضيءُ الأرواحَ المتوثِّبةَ المتحفِّزةَ لِلثَّأر.

نعم. لقد سمعناها ووعيناها، ولن يهنأَ لِشُذَّاذِ الآفاقِ عَيْشٌ بَيْنَنا، ما دام فينا زينبُ وآلافُ الزينيِّات.

وصيَّتي لَكِ يا عزيزتي: لاتُسامِحي. وبُثِّي حُزْنَكِ وثَأْرَكِ في الحليبِ الذي سَتُرْضِعِينَهُ لِأَبنائِك، فالصراعُ طويل، وحُلْمُ هؤلاءِ الشُّذَّاذِ المُجرمينَ في السيطرةِ مستحيل.

لا تحزَني يا زينبُ، فنحنُ مِحورٌ مقاوم.

نحنُ أُمّةٌ عَشِقَتِ البذلَ والشهادةَ في سبيلِ الكرمة والحُرِّيّة.

نحنُ أبناءُ القافلة، قافلةِ النورِ الحُسَيْنِيِّ، نُرَدِّدُ في كلِّ حِين: هيهاتِ مِنَّا الذِّلَّة.

نحنُ مؤمنونَ بإحدى الحُسْنَيَيْن. نحنُ أبطالٌ لا نعرفُ الهَوان، فَخناجرُ السيّدِ اليَمانيِّ المُسَدَّدِ أحرقتْ مُدمِّراتِهم، وسيوفُ طهرانَ وبغدادَ ولبنانَ حاضرةٌ، وتَعِدُنا بِبُزوغٍ فَجْرٍ جديد..بِصُبْحٍ مَجيد، وليسَ الصُّبحُ بِبَعيد...

جبل عامل في 20/7/2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري