في زوايا القرار المحجبة، حيث تصاغ التفاهمات بلغة المسكوت عنه، إمتدت خيوط الإنسجام مع الكائن الغريب، ذاك الذي لم يأتي على ظهر مصفحة أو دبابة هذه المرة، بل عبر شاشة، عبر فضائية، و مبادرة، وعناق رسمي بإسم ”المصلحة العليا“
من خلف جدران من بلور وقصور من صمت، إنطلق قطار التطبيع، تحت لافتة (العقلانية) بينما حقيقته إختراق ناعم لذاكرة الأمة، وهدم للمنظومة التربوية من الأساس.
لم يعد التطبيع خطرا سياسيا فقط، بل زلزال أخلاقي و بيداغوجي بكل ماتعنيه الكلمة. يربي الجيل على أن المحتل ”طرف آخر“ وأن المجرم الغاصب ” فاعل سلام“ وأن المقاومة مجرد ” عنف مضاد“، هذا ليس تبادل مصالح، بل تبادل حقائق.
أصبحنا نرى الوافد الثقافي المزيف يتسرب من خلال رسوم الأطفال، الأغاني العابرة، القصص المحبوكة، والمنصات التي تروج للفراغ الأخلاقي كتحرر, والإنبطاح كانفتاح. إنه تغريب الداخل...لاتحرير الخارج. وفي بعض الواحات المذهبة، حيث تتوه الموازين بين الإتقان السياسي والتماهي النفعي، تصدر فتاوى مهذبة تبرر هذا التلاقي، وتجمل المسار الملتبس. فتوى مغلفة بالسكوت، تمرر كأنها ”إجتهاد“
بينما هي شرعنة للتمييع، وتذكية للإنفصال التدريجي عن القضايا الكبرى.
فيا من مشيتم في هذا الدرب...لو علمتم - علم اليقين- ماتقترفون، من خذلان للحق، وتزييف للوعي، وبيع للذاكرة، لرأيتم الجحيم يقينا...لافي الآخرة فقط، بل في عيون أبنائكم حين يسألونكم غدا: لماذا خذلتموهم وأنتم تبتسمون ؟
باحث ومفكر سوري في الغربة