نتنياهو.. كاليغولا العصر ومهمة إبادة المعارضين تحت سلطة
مقالات
نتنياهو.. كاليغولا العصر ومهمة إبادة المعارضين تحت سلطة "الرب المختار"
عدنان علامه
30 تموز 2025 , 12:17 م


عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

لا يمكن فهم السلوك السياسي والعسكري لبنيامين نتنياهو دون التعمق في خلفية تعيينه "ملكًا لبني إسرائيل" كما قرره كبار الحاخامات الصهاينة في مؤتمر بازل (28–30 آب/أغسطس 2022)، في استعادة درامية لمشهد مسح شاؤول ملكًا بأمر "الرب" في سفر صموئيل.

فمنذ تلك اللحظة، لم يعد نتنياهو مجرد رئيس وزراء؛ بل تحوّل في نظر أتباعه إلى تجسيد لشخصية توراتية مُرسلة لتنفيذ إرادة عليا، تتجلى في إبادة "العماليق" المعاصرين: "الفلسطينيين، اللبنانيين، الإيرانيين، وكل من يعارض مشروع إسرائيل الكبرى".

فتحت هذه الهالة اللاهوتية، تفجّرت شخصية نتنياهو بكل أوجه اضطرابها: نرجسية متضخمة، سادية علنية، جنون عظمة، إيمان بالتفوق العرقي، وازدراء كامل للقوانين الدولية. وسلوكه يذكّرنا بالإمبراطور الروماني كاليغولا، الذي كان يرى نفسه إلهًا حيًا، يُصدر قرارات عبثية وينفذ مجازر جماعية، ولا يتوانى عن إذلال النبلاء ومجلس الشيوخ، بل أجبرهم على أكل التبن ووصل به الأمر إلى تعيين حصانه عضوًا في المجلس.

كاليغولا العصر لا يختلف عن مثيله الروماني. غنتنياهو يسخر من المجتمع الدولي، يلتفّ على مجلس الأمن، يتحدّى محكمة لاهاي، ويستبيح دماء الآلاف يوميًا في غزة والضفة ومناطق أخرى، وكأنما يخوض حربًا "مقدسة" بأمر الرب. والأوامر بالتدمير تأتي بنفس الصيغة التوراتية القديمة: "اضرب عماليق، واقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعًا، بقرًا وغنمًا". ويكفي النظر إلى أرقام الضحايا: أكثر من 60,000 شهيد منذ 7 أكتوبر 2023، من بينهم أكثر من 1,100 من شهداء المساعدات وحدهم، في جريمة إبادة موثقة، لا يراها نتنياهو إلا انتصارًا مقدسًا.

والمفارقة القاتلة أن العالم يراقب، كما راقب شيوخ روما جنون كاليغولا، دون قدرة على الوقوف في وجه آلة الموت. حين أُجبر أعضاء مجلس الشيوخ على أكل التبن خوفًا، كانوا يعلنون سقوط الكلمة أمام الرعب. واليوم، لا يبدو المجتمع الدولي أفضل حالًا، وقد استحال صوته إلى بيانات خجولة لا تُقنع طفلًا ولا توقف جريمة.

فنتنياهو لا يرى في القانون الدولي إلا عقبة يجب سحقها، ولا يعترف بأي سلطة سوى سلطته المطلقة. يريد أن يحكم كما حكم كاليغولا: بالدم، بالرعب، وبقهر الشعوب باسم مشروع كوني إلهي يقوده. وحين يعلن أنه وحده من يقرر مصير غزة، أو إيران، أو جنوب لبنان، فهو لا يطلق تهديدات؛ بل ينفذ عقيدة عسكرية لاهوتية أُعطي صلاحية تنفيذها في بازل، بنفس منطق صموئيل وشاؤول.

إن ما يشهده العالم اليوم من تجاوزات إسرائيلية فاضحة بقيادة نتنياهو، هو إحياء كامل لنموذج الحكم الاستبدادي الذي سبق أن دمّر الإمبراطوريات وأسقط حضارات. وسقوط كاليغولا في النهاية، رغم جبروته، هو عبرة تاريخية لم يستوعبها طغاة اليوم. لكنهم سيلقون نفس المصير.

فقد يُزيّن الطغاة لأنفسهم صورة الخلود، فيظنون أن المجازر مجد، وأن سحق الشعوب هو قدر مقدّس كُتِب بأمر "الرب". لكنّ الدم لا يُمحى، والذاكرة لا تموت، والتاريخ لا يغفر.

فكما سقط كاليغولا تحت سكاكين حراسه، سيسقط نتنياهو تحت عبء جرائمه، لا فرق بين من أُله في روما، ومن ظن نفسه المختار في تل أبيب. فالعروش التي تُبنى على جماجم الأبرياء، لا تصمد... حتى لو باركها الكهنة، وغطّاها الصمت الأممي والدولي.

وإنًَ غدًا لناظره قريب

30 تموز/يوليو 2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري