كتب عبد الله عيسى:
مقالات
كتب عبد الله عيسى: "خداع على الأراضي السوريّة نحو التهشيم والتهميش".
عبد الله عيسى
4 آب 2025 , 11:56 ص


ما تشهده مناطق عدّة من سوريا منذ أشهر، هو جزء من ‏الحرب الأميركيّة "الإسرائيليّة" الجارية على المنطقة و‏شعوبها، قد تتعدّد عناوينها التفصيليّة، لكن المآرب واحدة، حيث تستبد الهيمنة بمفاعيل الحروب والفتن وتفكيك عرى الاجتماع السياسيّ للأقطار العربيّة.

ولا يخفى على مشاهد بصير يَقِظ هذا الدور، منذ قيام الكيان الصهـيونيّ، ومنذ مجـازره الأولى (1947 ‏و1948) في فلسـ.ـطين المحتلة وما تلاها من توحّش في حولا، وغيرها من قرى وبلدات جنوب لبنان وأقطار عربية أخرى.

وفي استعادة زمنيّة مقارنة، بين تمّوز 2024 وتمّوز 2025، يتّضح هذا المنحى حيث تقع"إسرائيل" على إحداثيّة استخدامٍ واحدة، في حرفتها المعهودة بالخداع والجـريمة، وهي تضرب الطائفة الدرزيّة، والأرض السوريّة.

مجدل شمس والانقلاب بالفتنة في العام المنصرم،بتاريخ السبت 27 تموز/يوليو 2024م، سقط صـ.ـاروخ اعتراضيّ، على ملعب كرة قدم في بلدة مجدل شمس، داخل منطقة الجولان السوريّ، التي تشكّل الطائفة الدرزيّة معظم سكانها، وتحتلها "إسرائيل"، منذ عام 1967، وعرضت على أهلها الحصول على الجنسيّة "الإسرائيليّة"، إلا أن غالبيتهم رفضوا ذلك.

تسبّب الصـ.ـاروخ "الإسرائيليّ" آنذاك بمقـ.ـتل 12 وإصابة نحو عشرين آخرين، تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عامًا.

سارع الــعـدو يومها إلى توجيه الاتهام إلى حـ.ـزب الله، ونصّب نفسه مدّعيًا عامًا وقاضيًاوجلّادًا، ولم ‏يُقدِّمْ أيَّ أدلة، وسار الغرب معه بسرديّته المخادعة، وسوّقت ‏هذا الادعاء المُغرضَ بعضُ الفضائيّات العربيّة.

نفى حـ.ـزب الله بشكل قاطع مسؤوليّته عن هذا الحادث، انتظر ساعات، لم يصدر البيان مباشرة، حتى تأكّد من جهته بعد تحقيق ‏داخليّ دقيق أدى به إلى هذه النتيجة، بالنفي الحاسم. وقد نوّه أمينُهُ العامُ السيّد حسن نـ.ـصر الله، أن الحـ.ـزب يملك شجاعة:"أن لو ‏قصــف أي مكان أن يتحمّل المسؤوليّة، حتى ولو كان خطأً"، فيما استدلّ الخبراء الإستراتيجيّون العسـكر يّون على نفي الاتهام للمـقاومة، وقدّموا فرضيةسقوط صـ.ـاروخ اعتراضيّ داخل مجدل شمس.

لكنَّ "إسرائيل" لم تُسلِّمْ بهذا الأمر، رغم شواهد كثيرة على صوا ريخ اعتراضيّة سقطت في عكا وحيفا وفي أماكن ‏مختلفة، وأدّت إلى حرق تعاونيّات وإيقاع جرحى صهاينة.

إذاً، مع هذه الخصوصيّة بوجود الأطـ.ـفال والدروز في الجولان، سارع الـعـدو، بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأميركيّة، إلى التزويروالتضليل باتهام المقاومة وأعطى عنواناً للشـــهــيد فؤاد شكر، أنّه ‏قاتل أطـ.ـفال مجدل شمس، على طريق حربه المبيّتة وأغراضه الإجراميّة، التي برزت لاحقًا في عمليّة"أسهم الشمال"، وأعماله الـعـدوانيّة المستمرّة على لبنان وسورية.

‎مجموعة أهداف تمحورت آنذاك من هذا الاتهام:

الإساءة للمــقاومة، وإيجاد غطاء لِقـتل السيّد شكر، والاعتـ.ـداء على ‏الضاحية، تبرئة جيش العدو من مسؤوليّته بإطلاق الصوا ريخ الاعتراضيّة ونتيجتها الكارثيّة، وإيجاد الفتنة بين أهل الجولان ومعهم كل أحبائهم من ‏طائفة الموحّدين الدروز وبين المقاومة وخصوصاً الطائفة الشيعيّة، للانقلاب على إحدى أهم نتائج طـوفان الأقصى وجبهات ‏الإسناد والمواقف المشرفة لقيادات وأحزاب ومرجعيّات مختلفة ساهمت في تجاوزالمحنةالمذهبيّةوالطائفيّة التي عُمل على تعظيمها وتكبيرِها خلال العقد ‏الماضي.

من هذه الأهداف للعد وان على مجدل شمس العام الفائت، كان الغطاءُ العــدوانيّ والتنصّل من الجـ.ـريمة، وإيقاعُ الفتنة، يبرز هـدفٌ ثالثٌ بوصفه جوهريًّا لا ثانويًّا ظرفيًّا كسابقيْه. فإعادة الصراع الطائفيّ ‏والمذهبيّ، هي وجهة عمل الـعدو، خصوصًا بعد انتهاءالحر ب الجارية،وربمايكون أحد فصولها وأدواتها الأنجع، في بعض مراحلها، والتمهيد لأخرى.

ميزان الوحدة والمقاومة أمّا اليوم، عندما تشاهد الأحداث في سورية وتعطفها على المواقف المعلنة لقاطني قصر دمشق، بمجرّد نجاح انقلابهم المباغت، إثر تجميد المعركة البريّة في لبنان، وما تَبِعَها من تطوّرات إقليميّة خطيرة، أهمُّها الـعـدوانُ على الجمهوريّة الإسلاميّةِ الإيرانيّة، بوصفها قلعةالمـقاومة وسندَها، وأملَ القضية الفلسطينيّة، يظهرُ لك أنَّ هؤلاءِ أداةٌ تنفيذيّةٌ طَيِّعةٌ، لمن هم وراء الكواليس، ويبدو، من فلتات ألسنتهم، شَرَهُ الرِّهانِ على الحضورِ الدَّوليّ والإقليميّ، وما يعادِلُهُ من تمزيقِ سورية،وخرابِ دُوَلِ جوار سورية.

يبدو مصبُّ التحريضِ ووِجْهَتُهُ، ومضامرُ الاحترازِ من جهاتٍ كـ "إسرائيل"، والأطماعُ في لبنانَ، عناوينَ بَيِّنَةً، بوقاحةٍ سافِرة.

لذلك، تبقى المسألة شديدة الدقّة والتعقيد، ومن المفيد والضروري، التأكيد على مشاهدة الأحداث الجارية، وبإزائها الإصغاء إلى مقاطع سيّد شــ.ـهداء الأمّة في كافة خطاباته عن المسألة السوريّة وإلى جانبها التنبّه إلى التناحر الجاري على العلويّين والشيعة والدروز والمسيحيين وبعض المواطنين السوريّين الآخرين، وأيضا رصد النتائج الميدانيّة الواقعيّة للاحتـ.ـلالات "الإسرائيليّة" الجديدة وضرباتها لنعلم أي واقع هو لسورية اليوم.

إذ، من الحكمة أن تُدفن بعض المعارك لصالح الوحدة وأن تفوّت الفتنة على الـ.ـعـ.ـدو المهيمِن أميركا وربيبته "إسرائيل"، لكن في الميزان عينه، من العدل والحكمة أن تُصان كتابة التاريخ من التزوير، ولا تُستلب الإرادات للنزول على جدول أعمال المهيمِن بحيث تفتقر للمناورة أو تنخرط في تقديراته طائعة على حساب المـ..ـقاومة.

تشهد سورية تناوبًا دمويًّا قذرًا بين الـ.ـعـ.ـدوان والإرهــ.ـاب لأغراض واحدة تخدم الهيمنة الأميركية. إنها المحاولة البائسة لتهشيم القوّة وتبديد اللحمة المجتمعيّة بالفتنة، نحو الاستحواذ على الموقع الجيوسياسيّ وتهميش القدرة والانقلاب على الدور. وللمرة الألف هذه هي الحضارة الغربيّة وهذا هو التوحّش الذي لا دين له ولا طائفة ولا منطقة ولا وطن إلا الحقارة، وهما وجهان لعملة واحدة اسمها استتباب الهيمنة.

من هنا، يمكن الجزم، أن تحرير سوريا من الـ.ـعـ.ـدوان "الإسرائيليّ" والإرهــ.ـاب هو شرط ضروريّ لوحدة سورية واستقرارها، وجزء صميميّ من سلامة الأمن القوميّ اللبنانيّ، والأمن القوميّ العربيّ والإسلا ميّ بوجه الهيمنة الأمريكيّة-"الإسرائيليّة"، وأي تقدير آخر، يعدّ تبريرًا للمجرم الأميركيّ و"الإسرائيليّ" وإتاحة له للسيطرة والتحكّم، يلاقيه غباء الوحوش المجرمين المنقلبين على أعقابهم.

فالاقتدار دواء التعافي من التهشيم والمـ..ـقاومة مبيد التهميش، لبتقى سورية ويستقر محيطها وتنتصر فلسـ.ـطين على جلاديها والمتخاذلين عن وقف الإبادة والتجويع والتهجير والاستيطان والتوطين.


المصدر: موقع إضاءات الإخباري