خزن الدماغ في أعماق ذاكرتك قائمة تشغيل موسيقية من سنوات المراهقة ، تلك الفترة التي كانت مليئة بالاكتشافات والمشاعر الحادة، ورغم مرور الزمن، لا تزال تلك الأغاني قادرة على إثارة مشاعر قوية، كما لو أنك عدت في لحظة إلى تلك المرحلة.
لكن ما سر هذه الاستجابة العاطفية الشديدة؟
الإجابة تكمن في تداخل معقد بين التطور العصبي والاحتياجات الاجتماعية والتجارب الأولى التي شكلت شخصيتنا.
عالم المراهق ما قبل التاريخ: الغريزة، والعاطفة، والانتماء
في مرحلة المراهقة، تبدأ التغيرات الهرمونية بتحفيز الجهاز الحوفي، وهو مركز العاطفة في الدماغ، يصبح المراهق أكثر حساسية عاطفية، ويشهد تقلبات مزاجية عنيفة، ويبدأ في الانفصال التدريجي عن الوالدين.
هذا الانفصال يدفعه لبناء روابط أوثق مع الأقران، حيث يصبح البقاء مرهونا بالانتماء إلى المجموعة، خصوصا في العصور القديمة حيث كان البقاء وحيدا يعني الخطر.
في هذا السياق، كانت تعبيرات الوجه ونبرة الصوت وسرعة الكلام أدوات أساسية للتواصل، والمواقف العاطفية القوية—كالخوف من الخطر أو النشوة بعد صيد ناجح—تُخزّن بعمق في الذاكرة لتعليم الدماغ ما يجب تجنبه وما يجب السعي إليه.
المراهق الحديث: نفس الدماغ، تحديات جديدة
رغم أننا لم نعد بحاجة لصيد طعامنا أو الهروب من المفترسات، إلا أن أدمغة المراهقين اليوم لا تختلف كثيرا عن أسلافهم، لا يزالون يخوضون رحلتهم نحو الاستقلال، ويواجهون تحديات العلاقات الاجتماعية، ويبنون هويتهم وسط ضغوط القبول والرفض من محيطهم.
وتماما كما في العصور القديمة، فإن الأحداث العاطفية القوية تُخزّن في الدماغ بقوة، وتُصبح جزءا من هوية الفرد.
الموسيقى كلغة مشاعر قبل اللغة
الموسيقى، سواء عبر كلماتها أو لحنها، تنقل مشاعر لغوية وغير لغوية، قد تجعلك تشعر بأنك "مسموع"، أو تمنحك شعورا بالانتماء، أو تعبّر عن مشاعر مثل الحب والحنين أو الوحدة.
يعتقد بعض الباحثين أن الموسيقى قد تطورت من نفس الإشارات الصوتية غير اللغوية التي استخدمها أجدادنا للتواصل قبل نشوء اللغة، وبالتالي فإن دماغنا يتفاعل مع الموسيقى كما كان يتفاعل مع تعبيرات المجموعة عن الطمأنينة أو الخطر أو الحماسة.
الموسيقى أداة تدريب عاطفي
المراهقون يقضون ساعات طويلة يوميا في الاستماع للموسيقى، خاصة خلال فترات التوتر النفسي، في هذه المرحلة الحساسة من النمو العاطفي، تصبح الموسيقى أداةً للتدريب على التعبير وفهم المشاعر، وللمساعدة في التعامل مع تقلبات المزاج، والبحث عن معنى وانتماء.
أغاني الذكريات بوابة إلى أولى التجارب العاطفية
كانت الموسيقى حاضرة في أول قُبلة، وفي الأوقات التي كنت تغني فيها مع أصدقائك، أو حين انكسر قلبك لأول مرة، كل لحظة من تلك اللحظات خُزنت مع لحن معين، وكأن الموسيقى أصبحت مفتاحًا عصبيًا لفتح تلك الذكريات.
لماذا لا ننسى موسيقى المراهقة؟
الدماغ البشري مبرمج لربط المشاعر القوية بالذكريات، والمراهقة هي زمن التجارب الأولى التي تُشكّل من نحن. لهذا السبب، تبقى موسيقى تلك المرحلة محفورة في الذاكرة، وتتحول إلى "كبسولة زمنية" تفتح أبواب الماضي بمجرد سماع بضع نغمات.