هل تدفع السعودية لبنان إلى فوضى المجهول؟
مقالات
هل تدفع السعودية لبنان إلى فوضى المجهول؟
حليم خاتون
6 آب 2025 , 08:46 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

عندما دخلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت الغربية أثناء اجتياح ١٩٨٢، كان الجنود الاسرائيليون المتحدرون في أغلبهم من أوروبا الشرقية وروسيا كلما رأوا سيارة فخمة متوقفة على الطريق، يسحقونها بجنازير الدبابات حتى تصبح كومة خردة؛ وبسبب، وبغير سبب، كانوا يطلقون النار على الأبنية الزجاجية الفخمة لتحطيمها...

كان الحقد الطبقي هو ما يتحكم بهؤلاء الجنود الآتين من بلدان حلف وارسو حيث السيارات كانت أقل من عادية، وبثلاثة ألوان فقط، وأيضا، ثلاثة او أربعة موديلات، مع صعوبة امتلاك سيارة في الأصل...

وحيث كل الأبنية تتشابه في بلوكات تغلب عليها الرتابة إلى درجة البشاعة وفقدان الأمل بألوان الحياة...

الجيل الجديد في السعودية خرج إلى العالم وفي فمه ملاعق من ذهب...

هو يملك من المال والثروات ما يمنع وصف الكره الذي يعتليه تجاه مجتمعات أكثر تطورا ثقافيا وفنيا بالكره الطبقي...

لكنه حقد الجاهل على الثقافة والمثقفين؛ على الفن الرفيع والفنانين المبدعين...

حاول أمراء السعودية شراء الثقافة بالمال كما فعلت ابو ظبي؛ حاولوا شراء الفن!...

لكن كل ما أتاهم، كان تافها مثلهم؛ ومن لم يكن كذلك؛ جعلته تلك الأموال يبدو كحيوانات السيرك أو حدائق الحيوانات...

يحاول المرء فهم الحقد الذي يتملك محمد بن زايد، أو محمد بن سلمان!

هل يذكر الناس ليلة القبض على سعد الحريري؟

القصة قد تبدو مهزلة؛ لكن محمد بن سلمان كان غاضبا لأن سعد الحريري رفض دفع الفتنة السُنّيةالشيعية إلى مستوى حرب أهلية في لبنان!

تركز كل هم إبن سلمان في نشر الفوضى وعدم الاستقرار في لبنان؛ وقد وجد في هذا البلد تربة فيها بعض الخصوبة بفضل الحقد الطائفي والمذهبي المنتشر في لبنان وسوريا والى حد بعيد في العراق وقريبا في مصر...

نسي الكثيرون من السُنّة أولوية فلسطين ووجود عدو وجودي ينتظرهم على المفرق...

عدو اغتصب الأرض والعرض دون أن يستفز هذا اعدادا كبيرة من هؤلاء...

الفزعة العشائرية العربية عند هؤلاء السُنّة لم تتحرك لما يجري من مجازر وإبادة في غزة والضفة...

الكثير من المسيحيين في لبنان يؤمنون أن الغرب لن يتخلى عنهم لسواد عيونهم؛ النرجسية عند هؤلاء المسيحيين تفرض عليهم نوعا من العمى الذي يحعلهم لا يرون ما فعلته أميركا بمسيحيي العراق وسوريا...

الكثير من دروز لبنان يهربون إلى الأمام بعد أن رأوا ما حل بدروز سوريا...

تراود بعضهم أحلام تبني إسرائيلي لهم يشبه التبني الحاصل لدروز فلسطين...

أما شيعة أميركا في لبنان، رغم قلة عددهم نسبيا؛ إلا أنهم لا يختلفون عن الشاه و"مجاهدي" خلق الذين ساهموا في الحرب الأخيرة على إيران في توجيه الضربات الأولى تحت وهم العودة إلى لعب دور شرطي الإمبريالية في وجه الغالبية السُنّية في العالمين العربي والإسلامي...

ما زاد في غضب الجيل الجديد من حكام السعودية والإمارات هو أن حزبا صغيرا من بلد صغير استطاع منع كل مشاريع الصهينة الابراهيمية التي مشوا هم فيها حيث استهدفوا قتل حضارات تاريخية ودول ذات مقومات كمصر والعراق وسوريا لكي تنبت مكان هذه الدول ممالك وإمارات موز حقيرة، لا تاريخ لها بفضل الجهل الذي عشعش فيها منذ اكثر من الف سنة...

قد يبدو هذا التحليل الوصفي قاسيا بعض الشيء؛ لكن من يشاهد كيف تتصرف هذه المشيخات تجاه

فلسطين ولبنان وسوريا، يكاد لا يفهم كيف استطاعت هذه الأقلية من الجهلة الآتين من وراء الإبل التحكم باربعمائة مليون عربي، وبملياري مسلم حولتهم ثقافة الجاهلية الوهابية إلى مجموعة من الأوغاد تنجح كل يوم أكثر في تدمير الحضارات العربية والإسلامية التي سادت العالم يوم كانت بغداد ودمشق ووادي النيل منابع علم وثقافة وفنون وعواصم الكرة الارضية...

نجح المال السعودي في شراء بضعة صبيان في لبنان حولتهم ماكنة ترامب إلى سلطة حاكمة بفضل غباء كل الأحزاب الوطنية والقومية وحتى العقائدية الإسلامية التي فشلت خلال أكثر من سبعة عقود في بناء مجتمعات ودول تتمتع ولو بشيء بسيط من العزة الوطنية او الكرامة القومية...

في الحقيقة، يمكن القول إن أميركا والصهيونية العالمية هي من نجح فعلا في إفراغ رؤوس هذه القيادات الخليجية من العقول وحشو هذه الرؤوس بكل التفاهات المنتشرة التي تجعل من تركي الشيخ جوكر يستطيع شراء فنانين عالميين لمجرد عرضهم في مهرجاناته دون حتى فهم فنونهم؛ تماما كما يفعل الكثير من الأعراب الذين يبنون مكتبات ضخمة يتباهون بها دون حتى أن يقرأوا ولو كتابا واحدا او حتى بضعة صفحات من هذه الكتب القيّمة التي تم جمعها فقط للزينة...

نجحت السعودية، كما نجح الأميركيون في وضع جدول زمني لسحب سلاح المقاومة في لبنان، لأنهم نجحوا قبل هذا في تقوية مجموعات من التافهين الطائفيين ليحكموا هذا البلد...

لكن الجميع يعرف، بما في ذلك أغبياء السلطة في لبنان؛ الكل يعرف أنهم جميعا أعجز من أن يتجرأوا على الاقتراب من سلاح المقاومة ورجالها الذين تصدوا للناتو في أكثر من موقعة والحقوا به الهزائم...

على ماذا تراهن السعودية؟

على ماذا تراهن الإمارات؟

لقد دفعوا الكثير من الأموال لإسقاط المقاومة في فلسطين!

فعلوا الأمر نفسه ضد المقاومة في لبنان...

في غزة هم عجزوا!

في غزة استطاع الشعب هناك اجتراح معجزات فاقت كل ما سبق في التاريخ النضالي للشعوب!

حزب الله الذي ارتكب خطأ الرهان على ضمانات صبيان أميركا والسعودية وإسرائيل، يواجه اليوم قرارا مصيريا:

أما الإلتزام بما تقرره حكومة إسرائيل والسعودية في لبنان التي يرأسها مناضل سابق تاب على أيدي الإمبريالية الأميركية وجمع حوله مجموعة من التافهين التابعين لهاتين الدولتين؛

وإما التعلم من غزة والعودة إلى المبادئ الحسينية...

لقد كان الإنسحاب من جنوب الليطاني أحد أسوأ ما يمكن أن تقوم به مقاومة...

صحيح ان المقاومة تخوض حروب عصابات وهي غير ملزمة بالبقاء في بقعة واحدة؛ لكن مجرد الإعلان الرسمي عن قبول أميركا وفرنسا وسيطين ضامنين تسبب بإحباط دفعت ثمنه هذه المقاومة أكثر بكثير من دماء مئتين من الشهداء...

ثمن هذا الفعل المشين كان قبولا بهزيمة بعد عصر الانتصارات المتوالية...

هل سوف يستطيع حزب الله العودة إلى الإندفاعة الثورية التي كان يملكها طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الحرب والردع؟

أمامنا تجربة غزة من جهة،

وتجربة مجازر الساحل السوري على أيدي كلاب مشيخات الخليج...

إذا أراد جوزيف عون الخضوع للضغوط السعودية الأميركية الإسرائيلية؛ هذا شأنه هو...

اذا أرادت حكومة نواف سلام استكمال مشروعها في السير على خطى الجولاني في الاستسلام الكامل لإسرائيل بأوامر اميركية سعودية؛ هذا أيضا شأنها...

أما من يريد العيش بكرامة وعزة وإباء...

فما عليه سوى العودة إلى القتال حتى لو شمل هذه المرة كل كلاب الداخل الذين طعنوا المقاومة في ظهرها أثناء الحرب...

تصفية جماعة الجولاني الذين تسللوا إلى داخل مناطق المقاومة ليس صعبا على الإطلاق...

يجب إعادة تنفيذ سيناريو السابع من أيار بهؤلاء...

أما الذين يتواجدون في مناطق عملاء أميركا والسعودية فهنيئا لهؤلاء هذه البركة التي يجب أن يسألوا عنها مسيحيي سوريا ودروزها...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري