كتب الدكتور علي حجازي:
ثقافة
كتب الدكتور علي حجازي: "لن يحصل. لن يمرّ"
د. علي حجازي
8 آب 2025 , 02:49 ص


"قصة قصيرة "

العاصفة الكبيرة تعصف في أرجاء غاباتنا.

عويلها العالي منسجم مع نباح كلاب ضالّة، ونعيق غربان ونعيب بوم وصياح ثعالب شاردة .

الذئابُ الدمويّةُ تمدُّ أياديَ مضرّجةً بدماءِ الأطفالِ والنساءِ والرِّجال. مسلَّحةً بخناجرَ وسيوفٍ وسكاكينَ، وبِجميع آلات القتل والقتال، محقِّقةً دمارًا في البيوت والحارات والمحال، مخلِّفة موتًا للنساء والأطفال والرجال.

من البرِّ موت، ومن البحر موت، وموت من الفضاء.

من قلب هذه العاصمة الأبيّةالتي قاومت الاحتلال، وطردت جيشَهُ المُجرِمَ الذي كان، زعماً، لا يُقهر، والذي استجدى قادتُهُ المقاومينَ الأبطال، عبر مكبِّراتِ الصوت " لا تطلقوا النار علينا؛ نحن منسحبون" امتدَّت أيادٍ راعشةٌ ملطَّخةٌ بالذّل، مغلولةٌ بالتبعيّةِ العمياء، ومصفّدةٌ بأغلال ٍ عديدة، لمصافحةِ تلك الأيادي المضرَّجةِ بدماء المدنيّين الأبرياء العزّل، والمسلّحةِ بآلات القتل والسحل والدمار، التي لم تُبقِْ ولم تذر، فبعد إبادةِ البشرِ وتجويعِهِم صوَّحتْ الشجر، وسرقت أشجار التين والزيتون، ودمّرت الحجر، وقتلت البشر.

أبصر عماد ذلك المشهد المغرق في الخيانة، وسمع أصوات أصحاب تلك الأيدي الملطّخة بالذّل والهوان، المدعومة من أناس باعوا أنفسهم للشيطان، وسمع نعيبهم المسموم، فساءته هرولة هؤلاء السَّاعين إلى مصافحة أيادي أولٰئك القتلة المجرمين الموصوفين، ومن هؤلاء واحدٌ قرأ المجازر الرهيبة، وأعلن بالفم الملآن في غير مكان -حيث أقيمت محكمة تنشد العدل في هذا الزمان-:مسؤولو الكيانِ الصهيونيِّ مجرمو حرب وإبادة.

فراح عمادُ يتذكَّرُ الفتوى التي أطلقها سماحةُ الإمام حيث قال:

"إسرائيلُ شرٌّ مُطلق، والتعاملُ معها حرام"،

وشعارُ سماحةِ شيخ الشهداء :

"المصافحة اعتراف"؛

وشرع يرنو إلى الجبل العامليِّ الأبيِّ الذي تحوّلتْ مُدُنُهُ وقُراهَ قلاعًا شامخةً سجّلَ الأبطالُ، على ترابهاالعزيز وصخرها العنيد أعظم الملاحم التي غدت دروسُها معتمدًةً في الكليّاتِ الحربية، وسأل:

-- مَنْ ذا الذي يسمح لهذه اليدِ العاثرةِ، ولغيرِها بالعبورِ فوق أكوامِ حجارةِ البيوتِ المدمَّرةِالتي لاتزالُ تحتضنُ،برِفق ٍ، أبطالَ تلك الملاحمِ الفريدةِ في هذا العصرِ، مَنَْ؟

ألم يقرأ أصحابُ هؤلاء القانونَ الذي يُجَرِّمُ التطبيع؟

ألم يرَ وسائطَ الدفاعِ والمقاومةِ التي زوّد اللهُ بها المخلوقاتِ كافّة: بشراً وحيواناتٍ ووروداً وأشجارا؟

قال ذلك وشرع يُنَقِّلُ بصرهُ في هذا الخَواءِ الواسع وقال:

-- أللهَ اللهَ يا بيروت، يا من ملأتِ الدنيا هديرًا، تضامُنًا مع مضطهدي هذا العالم. أينَ أنتِ الآن ؟

أين مظاهراتُكِ الشاجبة؟أين الذين كانوا يُقيمونَ الدُّنيا ولا يُقْعِدُونَها، استنكارًا لِاستِضعافِ أيِّ شعبٍ في هذا العالم الذي تسودُهُ شريعةُ الغاب؟!!

-- غاب أصحابُ المواقفِ الوطنيّةِ إلّا قليلا..لا تُتْعِبْ نفسَكَ يا صاحبي، قلت.

رنا إليّ وقال:

-- لا يهمّ ، فلسطينُ قضيّتنا. ولن نترُكَ أهلَها الذين يستبيحهم هؤلاء القادمون من شتات. لن نتركَهم ،فنحنُ أولو البأس وحرَّاسُ الأرضِ والتاريخِ والتراثِ الغالي، وصرخاتُنا مدويَّةً نُطْلِقُها:

" لا للتّطبيع. لاللمصافحة، لا لتسليمِ السلاح؛ فالمصافحةُ اعتراف، والسلاحُ زينةُ الرجالِ الرجال.

-- أحسنتَ وأجدت. لا فُضَّ فوكَ يا صديقي، فهذا المشروع سينكسر، والاتفاقيَّاتُ المُذِلَّةُ ستتمزّقُ كما مزّقنا اتفاقيةَ السابعَ عشر َمن أيار من قبل.

-- أسعدَ اللهُ موقفَك الوطنيَّ الراسخ ، وستجد في أرجاء هذا الوطن العزيز أصواتًا عديدةً متضامنَةً وهادرَةً، تُرَدِّدُ معنا:

التخلِّي عنِ السلاحِ خيانةٌ يعاقِبُ اللهُ عليها، فهو سَبحانهُ الذي قال: وأعدّوا لهم...ولن يحصل.

التطبيعُ خيانةٌ يُعاقبُ عليها القانون، ولن يمر.

ردد معي: لن يحصلَ لن يمرّ، لن يحصلَ لن يمرّ...

بيروت في 5/8/2025

المصدر: موقع إضاءات الإخباري