"قصّة قصيرة".
أصاخ السمع جيّدًا، وهو مرهفُ السَّمْع ِ أصلًا. هكذا هو، يُنْصِتُ يُصغي يُسَجِّلُ، ثم يحملُ مِكنِسَتَهُ الطويلةَ، وينطلقُ إلى مَهَمَّتِهِ بهمّةٍ عالية.
-- رآهُ المُؤَرِّخُ يَغِذُّ السَّيْرَ بجدّ. استوقفه وسأل:
-- أراك مستعجلًا.. أإلى هذا الحدِّ يستحقُ الأمرُ هذه العجلة؟
-- غريب!
-- أين وجه الغرابة قل . شغلت بالي؟
-- ألم يتناه إلى سمعك صدى تلك الأصوات المنبعثة من داخل أسوار ذلك القصر؟ ألم تسمع تلك الكلمة التي تردَّدت كثيرًا:
" إنقلاب"
-- بلى سمعتها وسجَّلتها مع مصطلحات أخرى : "هذا القرار مصيري وغير دستوري.بل هو فتنوي ، وهو نار على شجر يابس قابل لإحراق بلد".
-- ألم تسجله وأنت مؤتمن على تسجيل الوقائع؟
--سجّلته. دوّنته وحفظته وتوقَّعتُ أن تُطلّ أنت؛ ولكن ليس بهذه السرعة.
-- لكلِّ مقال مقام ، ولكلِّ موقف ردّة فعل ، فأنا اتوقَّع ان يُرمى بهؤلاء الذين انساقوا تحت ضغط مبعوث غريب لا دخل له بسيادة هذا البلد، ورضخوا لقراره القاضي بالانقلاب على مواطنيهم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل حرية الوطن وسيادته واستقلاله إلى مزبلة التاريخ .
نعم.التاريخ وظَّفني لأكنس الأوراق الصفر الساقطة، وسأبدأ بتلك الورقة الكبيرة التي سدّت مجاري السمع لديها عن سماع نداءات المفجوعين بأحبّتهم وفلذ اكبادهم التي غدر ت المسيرات المعادية بهم، والتي تئز فوق رأسه ورؤوس من معه ليل نهار، وعندما أشار إليه ناصح من فريق عمله قائلًا:
-- ألم تسمع صوت المسيرة التي ثقبت رؤوسنا الآن؟
أجابه:
-- أسقطها إن استطعت، فأنا مسرور بها وبصوتها.
-- صحيح ما تقول، وهذا القرار يجعلك أسعد. أنت الذي لم يسمع بكاء الثكالى،ولم يصله نداء استغاثة زينب التي اغتالت أهلها مسيّرة معادية كهذه المسيّرة ، وأعميت بصرك عن مشاهدة هامات الشهداء الذين وقفوا سدَّا منيعًا في وجه قافلة الذئاب الدمويّة التوسعيّة الغادرة . ووقفت على أنقاض أجساد البيوت المدمّرة، ولم تنبس ببنت شفة.اكتفيت بزمّ شفتيك، ولم ترفع راسك... "الخيام" تشهد "والنبطية" تسجل. وأنت الذي ذرف دموع التماسيح على شهداء قضوا منذ خمس سنوات في أكبر مجزرة ارتكبها العدو، ولم تذرف دمعة واحدة على أرواح الشهداء الأبطال الذين تعمل الآن على إبادة اهلهم وتهجيرهم ،وكشفهم أمام عدوٍّ لئيم لا يفقه معنى الإنسانيّة والحياة.
بعدما سمعتُ هذه النقاشات الحادّة قرَّرت ان أكنسه أولًا. نعم هو يستحق المرتبة الأولى في الكنس بعدما ضجَّ صوتٌ صادحٌ من مشارك معه ومع اقرانه في النقاش في أرجاء ذلك القصر يصفه حضوريًّا:
-- أنت خائن.
نعم قالتها في وجهه أنت وجميع الموقِّعين معك على قرارٍ ساعٍ إلى خرابِ البلدِ خونة
-- ممتاز عجل بالكنس لئلا تزكم رائحة جثثهم أنوف الأحرار الشرفاء الحريصين مثلك على سلامة هذا الوطن ،والذين تراهم حاملين المكانس لمساعدتك. عجل. رعاك الله، وبارك بك وبأمثالك وبمهنتك الشريفة هذه .عجّل عجّل عجّل...
بيروت في: 7/8/2025