أظهرت الدراسات أن التعرض للضوء الاصطناعي في ساعات الليل، سواء من الأجهزة الإلكترونية أو إنارة الشوارع أو الإضاءة الداخلية، لا يقتصر على تعطيل النوم فحسب، بل يمتد ليؤثر سلبا على جهاز المناعة ويحفّز الالتهابات، ويغير عمليات الأيض، ويؤثر على تنظيم المزاج.
الجسم البشري تطور على مدى ملايين السنين ليعمل بتناغم مع تعاقب الضوء والظلام الطبيعي، وأي خلل في هذا التوازن يمكن أن تكون له آثار صحية عميقة.
من الحقول الزراعية إلى قمة أبحاث الأعصاب
يسلط تقرير Genomic Press ضمن سلسلة "المبتكرون والأفكار" في مجلة Brain Medicine الضوء على المسيرة العلمية للدكتور راندي ج. نيلسون، رئيس قسم علوم الأعصاب بجامعة وست فيرجينيا، وأبحاثه حول الآثار الصحية الواسعة لاضطراب الإيقاع اليومي.
بدأ نيلسون مسيرته بأعمال بعيدة عن المجال الأكاديمي، مثل العمل في مزارع ومعامل تجهيز الدواجن وتشريح الجثث، قبل أن ينتقل إلى مسار أكاديمي متميز أصبح فيه أحد أبرز خبراء نظم التوقيت البيولوجي في العالم.
اضطراب الإيقاع اليومي: أزمة صحية عصرية
على مدار العقد الماضي، كشف مختبر نيلسون أن التعرض للضوء الصناعي ليلاً يمكن أن:
يضعف استجابة جهاز المناعة أو يحفز الالتهابات المفرطة.
يغير عمليات الأيض، مما قد يساهم في انتشار السمنة.
يخل بتنظيم المزاج، ما يزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق.
كما تركز أبحاثه على تحديد الأطوال الموجية الأكثر إضرارا، ومدى قدرة الجسم على التعافي من التعرض المزمن للضوء الليلي، وتأثير توقيت التعرض على الصحة.
من المختبر إلى التطبيقات الطبية
ينتقل عمل فريق نيلسون من الأبحاث الأساسية إلى التجارب السريرية، حيث يجري دراسات لمعرفة ما إذا كان الحد من آثار الضوء الليلي يمكن أن يحسن التعافي لدى مرضى العناية المركزة، مثل مرضى السكتة الدماغية وجراحة القلب.
كما تشمل أبحاثه دراسة تأثير الضوء على الممرضين العاملين في النوبات الليلية، باستخدام واقيات ضوء أزرق للمساعدة في إعادة ضبط ساعتهم البيولوجية وتحسين نومهم وأدائهم المعرفي.
الزمن كمتغير بيولوجي
يقترح نيلسون أن يُعتمد "وقت إجراء التجارب" كعامل بيولوجي مهم في الأبحاث العلمية، إذ يمكن أن يغير التوقيت نتائج الدراسات بشكل كبير، وهو أمر غالبا ما يُهمل في النشر العلمي.
بناء جيل جديد من علماء الأعصاب
خلال عمله في جامعات جونز هوبكنز، أوهايو ستيت، ووست فيرجينيا، أشرف نيلسون على عشرات طلاب الدكتوراه والباحثين، ملتزمًا بتوفير بيئة داعمة للباحثين الشباب، ويشغل حاليا منصب رئيس رابطة رؤساء أقسام علوم الأعصاب في كليات الطب الأمريكية.
رؤية لصحة أفضل
تشير أبحاث نيلسون إلى أن خطوات بسيطة مثل تقليل استخدام الشاشات ليلاً، واعتماد الإضاءة الدافئة بعد الغروب، والحفاظ على نمط نوم ثابت، يمكن أن تحسن الصحة العامة وتقي من أمراض مزمنة.
وقد لخّص أفكاره في كتابه الصادر عن جامعة أكسفورد بعنوان "الظلام مهم"، الذي يوجه القارئ العام لفهم أهمية العناية بالإيقاع اليوماوي.