كتب الأستاذ حليم خاتون:
تعود الذاكرة إلى اعتقال سعد الحريري في السعودية...
هل بدأت القصة هناك؟
ماذا عن اغتيال رفيق الحريري؟
أية رواية نصدق؟
هل كانت خطة إسرائيلية واجهت خشية اميركية من اعتراض فرنسي سعودي بسبب العلاقة الخاصة التي ربطت كل من جاك شيراك والملك عبدالله مع الحريري الأب؟
بعد اعتراض شيراك الفرنسي وشرودر الألماني على غزو العراق، عاد الرئيس الفرنسي إلى الحظيرة الأميركية وأبدى كل فروض الطاعة، بينما انشق اليساري لافونتين على حزب يسار الوسط SPD الألماني فسقط شرودر على شعرة أمام أنجيلا ميركل، وعادت ألمانيا بدورها إلى نفس الحظيرة الأميركية...
كان الهدف الأبعد روسيا ومن خلفها الصين؛ لكن الضربة الأولى تم توجيهها في الشرق الأوسط...
لا تبدأ نظرية المؤامرة مع اغتيال الحريري الأب دمويا؛ كما لا تبدأ مع اغتيال سعدالدين الحريري الإبن سياسيا...
هل بدأت نظرية المؤامرة مع الصعود المفاجئ في الثروة والتأثير لعدة رجالات سُنّية لبنانية كان يُرسم لها ادوارا لحقبة ما بعد اجتياح لبنان سنة ١٩٨٢ واقتلاع منظمة التحرير والتمهيد للقضاء المبرم على القضية الفلسطينية؟
من مجرد محاسب فقير من صيدا بدأ حياته مع حركة القوميين العرب، خرج رفيق الحريري عل رأس إمبراطورية مالية ساهمت في إتفاق الطائف الذي أطاح بالسيطرة السياسية للمارونية ووضع حجر الأساس للسيطرة السُنّية على النظام السياسي اللبناني...
ثم ما لبثت هذه السيطرة السُنّية أن جذبت إليها القيادة الشيعية فأفرغت أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية من أهم الروافد الجماهيرية حيث شكل الشيعة اغلبية ملحوظة في معظم قواعد هذه الأحزاب...
في نفس الفترة الزمنية، خرج علينا محمد نجيب وطه ميقاتي؛ كما خرج محمد الصفدي وفؤاد مخزومي وربما غيرهم...
السيطرة على المنطقة تتكرس بالسيطرة على فلسطين...
السيطرة على فلسطين تتكرس بالسيطرة على سوريا...
السيطرة على سوريا تبدأ من لبنان...
لم يكن طريق نظرية المؤامرة مفروشا بالورود...
تعاطت البراغماتية الأميركية دوما مع كل مرحلة بنفس التقنية التي برع فيها البريطانيون...
السيطرة على أي منطقة تسير دوما بسياسة التفرقة... "فرّق، تَسُد"...
في شبه الجزيرة الهندية كانت الفتنة الهندوسية الإسلامية التي انتهت بتقسيم المنطقة إلى عدة كيانات أبرزها الهند وباكستان وبنغلاديش...
في المشرق العربي عدة مشاريع قيد التنفيذ وفقا للبراغماتية الأميركية...
تسير هذه المشاريع بطريقة متوازية حتى لو فرض الأمر نوعا من التقاسم...
الفتنة الإسلامية المسيحية؛ تطلعات الأقليات الإثنية التي يمثل الأكراد أكبرها دون إهمال دور التركمان الذين يغذون العثمانية الجديدة...
يقود رجب طيب إردوغان هذه العثمانية بعد الإطاحة بمشروع نجم الدين أرباكان الداعي إلى نهضة إسلامية غير تابعة للغرب...
ليس مصادفة أن ترى نظرية العثمانية الجديدة النور على يد الغرب في الأساس، ثم يتم ضبطها على يد إردوغان بمعاونة الصهيوني برنارد ليفي أحد أهم منظري الثورات الملونة ومشروع الربيع العربي الذي أطاح حتى بصبيان أميركا في المنطقة للوصول إلى جيل شباب ورجال الموساد سواء عبر إبستين مثل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، او عبر شيوخ الجامعة الإسلامية في تل أبيب وجماعات إبن تيمية ومحمد عبد الوهاب الذين يمثلهم اليوم كل جماعات التكفير في سوريا والعراق ولبنان ومصر مع دعم ملوك وامراء الصدفة المدبرة في بقية العالمين العربي والإسلامي...
أين صار المشروع الأميركي؟
كلمات الموفد الأميركي توماس برّاك الموجهة إلى الصحافيين اللبنانيين تختصر صورة المشهد...
صار بإمكان الأميركي أن يخرج على الناس بالوجه الأصلي القبيح...
رمى برّاك القناع جانبا واصطحب الشريرة اورثاغوس ثم قالها بالفم الملآن...
اصمتوا يا حيوانات...
لم يتجرأ اي صحافي من الحاضرين على مجرد الإنسحاب اعتراضا، بما في ذلك أولئك المحسوبين على الممانعة...
كان الجمع الذي تعرض للإهانة مجرد صورة تمثل الواقع اللبناني الخاضع بالكامل لحذاء الرينجر الأميركي؛ من أكبر رأس في هذه الجمهورية المسخ إلى أصغر ممانع ضائع لا يعرف ان الأوطان تبنى بالدم والاستعداد لتفجير الكون حتى لو سقط في سبيل ذلك عشرات الملايين؛ حتى لو تهدمت كل الضاحية ومعها كل بيروت وكل لبنان...
من يريد العيش بكرامة، عليه تعلم أن يموت بكرامة...
المسيحيون في لبنان لم يعودوا رأس الحربة في المشروع الأميركي رغم تنطح الكثير من زعاماتهم لتقديم فروض الطاعة...
الدروز؛ سواء الفرع الإسرائيلي الممثَل بطريف والهجري، او الفرع "المصلحجي" الذي يسير كما تريد دفة المال الخليجي؛ هؤلاء الدروز ينتهون من حيث لا يدرون تحت الحذاء الصهيوني...
السُنّة جرى تحجيمهم؛ جرى تفتيتهم حتى صاروا كما الدجاجة التي نتف ستالين ريشها ثم ركضت اليه حين مد يده وفيها بعض حبات القمح...
ميقاتي يجتمع بالأميركيين يعرض خدماته ليكون هو الغطاء الجيد لتجريد لبنان من قوة سلاحه بعدما ثبت أن نوّاف سلام ليس دجاجة ولا حتى صوص؛ وإن الرجل رغم نفخ المفتي دريان وفزعات العشائر ومعهم سُنّة ٨ آذار الحريصين على "موقع رئاسة الحكومة"؛ رغم كل ذلك النفخ لم يكن هذا القاضي ولن يكون خلفا لا لسعد الحريري ولا حتى لفؤاد السنيورة...
السعودية والاميركيون لا يريدون سعد الحريري رغم كل الخدمات التي قدمها وقبوله كل شروط الطاعة ليس لأنه رفض الفتنة السُنّية الشيعية والحرب الأهلية في لبنان؛ بل لأن سعد الحريري على كل ضعف شخصيته يحمل بذرة رفيق الحريري التي تستطيع جمع السُنّة في فريق له وزن معين قد ينقلب عليهم ويرفض المشروع الأميركي كما فعل رفيق الحريري حين عاد عن قراراته بسحب سلاح المقاومة في بداية التسعينيات وأراد استثمار هذا السلاح خارج سطوة المشروع الأميركي الإسرائيلي...
سُنّة ٨ آذار من كرامي إلى مراد وحتى مصطفى حمدان لن يكونوا عزيزين على قلب أميركا ومحمد بن سلمان أكثر من فؤاد مخزومي أو اشرف ريفي اللذين تم وضعهما على الرف في المرحلة الحالية...
الخطر القادم موجود في كل زاوية من لبنان...
من قلب النزوح السوري يخرج المعلم محمد الذي يتقن كل الحِرَف ويعمل في كل المجالات التي يحتاجها اللبناني، وحين يفوته اتقان مهنة ما، يجلب لك إبن عمه، إبن خالته... الخ...
تنظر إلى لحية الأول المشذبة على طريقة أبو محمد الجولاني، ثم تنظر إلى الثاني الذي اطلق لحيته كما أبو بكر البغدادي، فترى كل الدواعش والنصرة وقد انتشروا كالنمل في كل تشققات المجتمع اللبناني...
تترحم على سوريا وعلى دمشق التي بات الإسرائيلي يرتع في ضواحيها... يصمت المعلم محمد، ويصمت معه المعلم الآخر الذي اتخذ لنفسه اسما يناسب المنطقة منعا للشك والريبة...
عندما يصفنا برّاك بالحيوانات؛ يستند في ذلك إلى نجاح مخططات أميركا وإسرائيل في تفتيت أهل المنطقة حيث اليهودي الصهيوني أهل كتاب بينما الشيعي مرتد كافر...
حين تسير في شارع الحمرا، فيحدق بك بعض النازحين لأنك آت من الجنوب؛ تعرف ان الخطر القادم على هذا البلد ليس بالضرورة غزوا إسرائيليا...
فعند الاسرائيليين من الكلاب ما يكفي لهدم الأوطان من الداخل...
الثورة التي دعا اليها محمود درويش وغناها مارسيل خليفة، بنى لها أخطبوط الصهيونية الكثير من الجرذان الذين اسقطوا سوريا ويسعون لإسقاط العراق ولبنان بعد أن "نامت نواطير مصر عن ثعالبها، فقد بشمن، وما تفنى العناقيد"...
أميركا هي العدو...
من يرى غير ذلك، يسير بقدميه إلى التهلكة...
بعد خيانة الأعراب، صار المرء يحتاط من القومية العربية...
بعد خيانة السوريين الجدد، صار المرء يخشى من وحدة بلاد الشام...
في الطريق لزيارة صديق قديم في بكفيا، سألت نفسي إذا ما كان الأميركي سوف ينجح في إقامة جدران تفصل مناطق لبنان؛ فتصبح المناطق المسيحية للسياحة والترفيه، والمناطق السُنّية قندهار؛ في الوقت الذي يجري بناء مشاريع استعمارية على نسق ريفييرا ترامب على جثث الشيعة لأنهم تجرأوا وقالوا كلمة حق في وجه سلطان جائر...