”غاصب نازي يتوغل ويتغول...وأشدهم نفاقا عليه تعول وتتوكل."
حين يلامس الإجرام الأجرام، ويعانق الشر شظايا الأرواح والأحلام، ينكشف وجه الكيان كوحش متربص، لا يجيد إلا لغة القتل والتهجير والدمار. من النكبة 1948 إلى مذابح غزة اليوم، مسيرة سوداء ترسم بدماء الأبرياء. ويسجلها التاريخ كوصمة عار، لايمحوها غسل مياه البحر ولا الأنهار ولا زيف الأعذار. والمفارقة الغريبة العجيبة أن هذا الورم الخبيث لم يكن ليستشري لولا سند خفي من بعض كراس مرصعة، تموه نفسها بأقنعة، وتتستر بستائر من حرير لكنها مثقوبة. تفرغ خزائنها الذهبية في جرار العجل الأكبر وهناك دويلات الأبراج التي تنفخ ببوق الحداثة المستعارة بينما تدير ظهرها لأهل غزة المكلومة، وإمارات الغاز التي تبني أوهام المجد فوق رمال متحركة، فتسقط في حضن المستدمر، وهي تحسب أنها تعانق الحرية. هاؤلاء هم رموز ” الأصفر الامع المسكوب" والأبراج الزجاجية ” والسراب المضيئ" هي إشارات لمن قرأ التاريخ بعيون ناقدة ليست حاقدة. ومع ذلك تبقى عاصمة الزعفران والعلم والعلماء والتاريخ والأدمغة والأمخاخ شامخة كالجبل، تقارع وتردع وتقدم الشهداء الأبرار، وتبقى إسلام آباد على ثباتها موقفا وسندا، تذكر الأمة أن الشرف لايشترى بالبترو_ أورو ودولار ولا يباع في أسواق الولاء.
ياشعوب وياجيوش الأمة، إن وحدتكم هي السند المنيع أمام مشروع التفتيت وإن مقاومتكم المحقة العادلة الشرعية والقانونية هي البرهان على أن ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فالمعركة اليوم لم تعد ”معركة حدود بل معركة وجود ووعي وهوية" الكيان يحاول اختراق عقول أطفالنا عبر أفلام الرسوم المتحركة، ويذرع بذور الشواذ والنشاذ والقذارة والإنحراف كأداة حرب ناعمة، أشد فتكا من القنابل والمقذوفات الصاروخية، في إطار حرب إستراتيجية صهيو_أمبريالية راديكالية تستثمر في الإنحلال كما في الإحتلال.
أما عن بلد الأبجدية الأولى الجرح النازف، فليعلم الجميع أن تمزيقها عبر الطائفية والمذهبية هو مطلب صهيوني بامتياز وأن تفجير كنائس وكما المساجد سواء في عاصمة السيف الدمشقي أو العراق الشقيق ليس إلا بصمة لعملية تدار من غرف الموساد الخبيث وتنفذ بأيدي التكفيريين، لكن العاصمة المأهولة الأقدم في التاريخ، التي علمت التاريخ معنى الصمود ستبقى القلعة التي تعاند كل عاصفة غوغاء ورياح عاتية.
وأما غزة الشرف والشهامة والتضحية والبسالة والعزة فهي الكاشف الحقيقي: وبتعريف سابق ” انكسار عابر وصمود ظاهر رغم التجويع والتفجيع والحصار، تخرج الفهود والنمور والأسود من بين الركام كأشباح وتربك حسابات العدو حتى في عقر كيانه.
فيا أيها القراء، إن مابعد الطبيعة السياسية تثبت أن الحق لايهزم، و الجينالوجية التاريخية تشهد أن الباطل مهما انتفخ فهو إلى زوال، و الإستراتيجية الحكيمة تدل أن المقاومة هي قدر الأمة ومصيرها. لن يحمي الأمة إلا وعيها، ولن ينقذها إلا اتحادها، ولن يسقط الكيان المارق إلا بإصرارها.
حين يلامس الإجرام الأجرام والإرهاب والإرعاب يروع القلوب والألباب تنكشف الحقيقة وتتلألأ كاالزمردة والألماسة والعقيقة، كيان ولد من رحم السلب والنهب والتحوير والتزوير والكذب والإفتراء والبهتان والتدليس، وتغذى من دسم الغدر والمكر، وتربى في أحضان المستعمر العجوز، هو مشروع لم يعرف إلا الدم طريقا، والفتنة جسرا والخديعة وسيلة، يبرق بالألوان الزائفة ليحجب سواد جوهره. أما أشباهه من أبناء السراب وحراس العجل الأكبر. قد رهنوا نخاعهم في مزادات الوهم، لكن في مقابل هذا الإنحلال يولد من باطن الجرح صوت آخر، يصدح بالحق، يقاوم بالعزم، ويقرأ التاريخ كاجينالوجية للحرية، لا كوصاية استعمارية. هناك من جعل من الحصار محرابا، ومن الرماد مشعلا، ومن الأنقاض مدرسة لأجيال لاتباع ولاتشترى. وإن حاول الغاصب أن يرمز نفسه قوة لاتقهر، فإن الآيات العطرات المباركات تكشفه: ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). والميزان الإلهي لايعطل، والسنن الكونية لاتزور، والتاريخ في رؤياه البعيدة العميقة لايرحم من خان الأرض والسماء، إنها معركة وعي قبل أن تكون معركة سلاح، معركة ضد الوهم قبل أن تكون ضد الرصاص. وحين ينهض الإنسان الحر من تحت الركام، فإن كل صهينة قديمة أو متجددة ستتآكل كما يتآكل الملح في طوفان الحقيقة.
حين يلامس الإجرام الأجرام، يطفو الغاصب كجرثومة في فضاء التاريخ، محاطا بالأشد نفاقا يلوكون الشعارات ولايلوون على الفعل.
غير أن المقاومة بما فيها من جينالوجيا الدم الطاهر والتضحية_ تبرهن أن الحق لايذوب في أتون الباطل، وأن الصمود أصدق من كل أباطيل الإعلام المأجور.
فالمعادلة باتت واضحة: بين مشروع إبليسي جهنمي يفتك بالأمة، وبين وحدة الشعوب إذا التقت كلمتها غدت أمضى من السيف المسنون وأعلى من الميتافيزيقية نفسها. ومن البيان لسحرا، يجلي في الأذهان أن الكلمة الحرة لاتساوم، وأن الصرخة الصادقة تزلزل الطغاة وتبشر المقهورين بفجر قادم لامحالة.
”أمة واحدة...في وجه أخطبوط التفتيت : وحدة الإيمان ضد طوفان الطغيان"
ياأمة المسيح والإسلام ، ياورثة التوحيد والتاريخ، أما آن أن تنصهر قلوبكم في بوتقة العهد المقدس، فتكونوا سدا منيعا أمام أخطبوط شرس يمد أزرعه ليلتف على أعناق البشرية؟ أما آن أن نكسر قيوده قبل أن يفسد البر والبحر والجو، ويحول إنساننا إلى رقم في بنك جشع أو ترس في ماكينة فناء؟ إن وحدة الأرواح أولى من وحدة السلاح. فلتتعانق الأجراس والمآذن، ولتتوحد رايات المشرق والمغرب، إذ لاخلاص للبشرية إلا بصف مرصوص يصد استفحال الورم الخبيث الذي أصاب الجسد العربي وبدأ بالتفشي ليلامس مساحات شاسعة واسعة من الجغرافيا العربية الآسيوية الأفريقية وسيلامس العالمية، سرطان سيسلب الإنسانية إنسانيتها،
مفكر محلل سياسي، وإعلامي سوري سابق في الغربة.