بعيدًا عن الدخول في تفاصيل نظرية وتحليلية، ودون الانتقاص من أي طرح مرحلي يطرح على مستوى مجموعات وتيارات تسعى للخلاص من الاستبداد الوصائي والإجرام التكفيري المتنقل القاطع لحبل التلاحم الوطني والميثاق المجتمعي، نتيجة لغياب مفهوم الدولة، انعكاسات تتجلى بارتباط الفرد بطائفته وعشيرته ومنطقته، ليجدها قاعدة الإسناد الطبيعية لأمنه ومصوغات حياته الطبيعية دون فرض مجحفة تفرض عليه وأوتار خانقة لمسيرة حياته اليومية.
إن الأفراد من مختلف المكونات السورية يعانون من سيوف التكفير المسلطة، فالقتل أصبح مباحًا ليس لمن يختلف مع سلطة أمر الواقع طائفيًا بل حتى من يختلف معها بمنهجية التفكير وسيرورة الممارسة الحياتية. بمعنى أدق، إن القتل الذي تمارسه سلطة الجولاني لا تقتصر على المكونات السورية العلوية والدرزية والكردية والشيعية، بل تمتد لتشمل حتى السنة السوريين لأنها بطبيعتها تختلف بالمدرسة الفكرية عن الفكر التيمي المكفر لكل مختلف.
ويبقى الجامع الوحيد لكل المكونات المذكورة هو الخوف من القادم، وطلب العيش الكريم بعيدًا عن الحصار الخانق للمكونات الأكثر استهدافًا، فتحول ساحلنا إلى سجن كبير، وكذلك السويداء وبعض مناطق الوسط، فيما تظل السويداء وبعض مناطق الوسط. في حين تتظاهر السلطة بدعوة عدم التقسيم، تسعى جاهدة لتكريس ذلك من خلال الأعمال الإرهابية والاقصائية والتشفي الحاقد.
ما جعل المكونات المستهدفة بشكل كبير تبحث عن حلول للخلاص، وهنا نقف أمام خيارين: إما أن نسعى نحو الفدرالية، وسنكون بذلك قد ساهمنا في إنجاح المشروع التقسيمي، وهذا الخيار قد يحقق مكاسب معينة، ولكنه على حساب ثرواتنا وأمننا الجيوسياسي. أو أن نسعى نحو التوحد والنضال لإسقاط هذه السلطة، وإن كان هذا الخيار مخاطره أقل، ولكنه ليس مستحيلًا.*
إن الاستبداد يمكن أن يكون محفزًا لتفجير الثورة، والظلم حاجة لتنصيب الحق. فالخيار الذي اختاره البعض كان يهدف إلى الراحة على حساب النضال والخلاص المرحلي المعمد فرنسيًا وروسيًا على حساب الثروات والقيمة الوطنية. لا يمكن تحريف المصطلح واستشراف الأفضل دون الإشارة للحقيقة وتحديد المطلوب.
إن الفدرالية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحقيق مصالح العدو في سوريا، فإذا كان الجنوب قد خضع بالفعل للعدو الإسرائيلي، فإن الشرق والوسط والشمال بات في عداد الهيمنة المتعددة للدول الإقليمية والدولية. لتبقى المساندة لأي حراك طائفي أو فدرالي ليس حبًا أو شفقة بالمظلومين، بل تكريسًا لإحكام السيطرة على طرق إمداد الطاقة والثروات المركونة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
إن أبناء الوطن السوري في هذه المرحلة يكتبون للتاريخ حقائق جوهرهم بين التماسك والنضال ونبذ سلطة الوصاية وبين السعي لشرذمة وانتقاء الراحة.
*المنسق العام*
*الهيئة التأسيسية المؤقتة*
*لحزب التحرر الوطني في سوريا*
*محمود موالدي*