كتب د. محمد الحسيني:
مقالات
كتب د. محمد الحسيني: "قمة الدوحة قول بلا فعل، وترامب يشرّع لنتنياهو استباحة عواصم العرب"
د. محمد الحسيني
19 أيلول 2025 , 22:26 م


ما إن أسدلت قمة العرب والمسلمين في الدوحة الستارة على بيان المواقف "العنترية" حتّى أفرغ بنيامين نتنياهو جام حقده على غزّة وجنوب لبنان (النبطية) بالقـ..ــصـ.ــف والغـ..ـارات الوحشية ليغتال النساء والأطـ.ـفال، وتبادل مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو نخب الضحك على قمم العرب التي طالما رأى الصـ..ـهاينة قيمتها صفرًا على الشمال، أي لا طعم لها ولا لون ولكنها تضج برائحة الهـ..ـزيمة والاستسلام.

ضرب نتنياهو بالبيان الختامي الذي صدر عن قمة الدوحة عرض الحائط، وهي لم تجتمع بهذه السرعة وبهذا المستوى العالي من التمثيل من أجل وقف حــ..ـــرب الإبادة العرقية التي يرتكبها الحلف الأميركي - "الإســـ.ـرائيـلي" بحق الشعب الفلسـ.ـطيني، فهو يعلم كما علمت "غولدا مائير" قبله أن العرب لا يبرعون سوى بإطلاق المواقف الفارغة من أي فعل.. صحيح ان صياغة بنود القمة جاءت عالية النبرة وكالت الاتهامات والنعوت لنتنياهو وحفلت بالنوايا والوصايا ولكنها خلت من أي استعداد للرد بالمثل، فالعرب يخشون "زعل" دونالد ترامب الذي كان يعلم مسبقًا بأن الدوحة سوف تكون هـ.ـدفًا للعــ.ـدوان وناقش الأمر مع نتنياهو على المستويين السياسي والعسـ.ـكر ي دون أن يرفض أو يعترض بحسب ما كشف موقع "أكسيوس" المقرب من دوائر القرار والاستخبارات الأميركية، وهذا ما يضعه في خانة المتواطئ والمحرّض على الـ..ـعـ.ـدوان "الإســـ.ـرائيـلي".

لم يكن متوقعًا من القمة العربية والإسـ.ـلا مية أكثر مما صدر منها، ولعل بيانها الختامي صيغ في واشنطن التي غاب أي ذكر لها في عبارات "التوبيخ"، دون ان تصل جرأة المطبعين منهم للإعلان عن تعليق العلاقات مع "إســـ.ـرائيـل" في الحد الأدنى! فهم في المربع الناقص على خارطة النظام العالمي وعلى هامشه المهمل.

إيران وباكستان كانتا مباشرتين في المطالبة بعقاب فعلي "لاسرائيل" والاتحاد في مـ..ـواجهة الكـ..ـيان الإرهـ.ـابي، فيما نحا الباقون إلى الدعوة لتوحيد الموقف من "الحكومة "الإســـ.ـرائيـلية" الحالية" والعمل على وقف تماديها الإجرامي.. ولكن نتنياهو الذي احتفل مع روبيو بافتتاح نفق سلوان - القدس، وقبل أن يلتئم شمل المجموعة العربية للدفاع المشترك للنظر في خطوات الرد، بادر إلى رفع سقف التحدّي بالنار والدمار ليقول للعرب: ما انتم فاعلون!؟.

نجحت قمة الدوحة في توصيف الواقع العربي والإسـ.ـلا مي المتردي والعاجز عن المبادرة إلا من رفع الصوت، ولكنها فشلت في امتحان الرد على الرغم من الترسانات العسـ.ـكر ية الضخمة التي تمتلكها معظم دولها، وإذا ما استثنينا لبنان والجمهورية الإسـ.ـلا مية الإيرانية من هذه المعادلة فلا أحد من الحاضرين يمتلك الحافزية ولو لتحريك قواعد الصوا ريخ لديه أو استنفار طا ئراته الحـ.ـربية، ولا الجرأة على إعلان قطع العلاقات مع "إســـ.ـرائيـل" وسحب سفيره وممثليه أو وقف التعاون الاقتصادي والتجاري مع الـ..ـعـ.ـدو.

ظن العرب أنهم بشـ..ـنّ هـ..ـجومهم الكلامي العنيف على "نتنياهو وحكومته المتطرّفة" بحسب تعبير البيان قد أدّوا قسطهم للعلا فليس من مصلحة العرب والمسلمين رفع راية التحدّي في وجه ترامب "الحليف الافضل لـ"إســـ.ـرائيـل" في تاريخ أميركا"، كما أن التعقيدات الراهنة تستوجب الاستمرار بدور الوساطة التي تقوم بها قطر ومصر تحت مظلة الورقة الأميركية للحل في قطـ.ـاع غزّة! وهنا يصدق القول: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"، والمضحك في الأمر أن روبيو الذي ارتدى القلنسوة اليهودية وأدى طقوس التلمود مع نتنياهو بالتزامن مع انعقاد قمة الدوحة هو الذي سينسّق العودة إلى طاولة المفاوضات انطلاقًا من الدوحة!

يعتمد نتنياهو كما ترامب منذ عامين سياسة إطفاء النار بالمزيد من النار حتّى لا يبقى شيء قابل للاحتراق، أي بعبارة أخرى تحويل مسرح الحـ.ـرب إلى أرض محروقة غير قابلة للحياة، وعليه فإن تخاذل العرب والمسلمين عن القيام بمبادرة فعلية رادعة على قاعدة: "لا يفل الحديد الا الحديد" سيشجع الـ..ـعـ.ـدوّ على توسيع دائرة الـ..ـعـ.ـدوان باتّجاه عواصم عربية وإسلامية أخرى بذريعة تواجد كوادر المـ..ـقاومة الفلسـ.ـطينية وحركة حمـ..ـاس على أراضيها، ومن غير المستبعد أن تسقط صوا ريخ نتنياهو مجدّدًا على أراضي قطر أو مصر أو تركيا، أما بالنسبة لسورية فقد أصبحت ارضًا مستباحة للعدو بكلّ ما للكلمة من معنى فيما يمعن في انتهاك سيادة لبنان وارتكاب جــ..ـرائمه بحق شعبه دون أن تحرك الدولة اللبنانية ساكنًا الا من بيانات إدانة متقطعة بانتظار التأثر الأميركي ببكاء بعض مسؤولي حكومة نواف سلام.

على المقلب الآخر يبدو أن ترامب برّر ترجمة تعديل اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحـ.ـرب بتواطئه المباشر في لعبة الخداع "الإســـ.ـرائيـلية"، وأجاد في أداء دوره في الكذب والمناورة، ولم تنفع تريليونات العرب وهداياهم النفيسة في كسب تعاطفه أو مراعاته لهم، بل كان مباشرًا في إسقاط مواقف بيانهم الفولكلوري ليدخل على خط تأجيج الـ..ـعـ.ـدوان على الشعب الفلسـ.ـطيني مهدّدًا حركة حمـ..ـاس بالقول: "لا تدعوا هذا يحدث والا ستسقط كلّ الرهانات. أطلقوا سراح جميع الرهـ..ـائن فورًا"، وطالب نتنياهو بحسم القـ.ـضاء على الحركة بأســ..ـرع وقت ممكن في تشريع مباشر للقـ..ـتل واستباحة الأرواح والارزاق وارتكاب الجــ..ـرائم بحق الشعب الفلسـ.ـطيني.

لن تكون قطر الدولة الوحيدة من حلفاء واشنطن التي تتعرض للعــ.ـدوان الصهيـ.ـوني فسوف يتبعها حتمًا عــ.ـدوان متسلسل يطال عواصم العرب والمسلمين بتواطؤ ودفع أميركي وصولًا إلى إخضاع شامل للعالم العربي والإسـ.ـلا مي لتصبح دوله كالنعاج التي تساق للذبح بلا حول ولا قوة وهذا ما يتطلبه "الشرق الأوسط الجديد"، فالكل يجب أن يكون خاضعًا من تلقاء نفسه على شاكلة المطبعين أما من يتجرأ على الرفض أو الممانعة فنموذج غزّة ينتظره بلا رحمة أو هوادة.

وحدهما إيران والمـ..ـقاومة في لبنان تشكلان النموذج، فكلتاهما فرضتا على أميركا و"إســـ.ـرائيـل" وقف الـ..ـعـ.ـدوان دون تحقيق أهدافهما في استباحة سيادتهما الوطنية، فحري بالدول العربية والإسـ.ـلا مية أن تعتمد هذا النموذج في مـ..ـواجهة التحديات التي يفرضها ترامب ونتنياهو على المنطقة وشعوبها، اللهم إلا إذا كانت هذه الدول متواطئة على ذواتها وعلى شعوبها لتسلّم ترامب مفاتيح السيطرة على رقابها، أما والحال هذه يبقى الرهان على الأحرار من الشعوب لينتفضوا ويصوغوا مستقبلهم وقرارهم الحر بأيديهم.