✦ التحقيق الاستقصائي ✦
✍️ الإعلامية الدكتورة
بدور الديلمي
صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والإقليمية
---
مقدمة
في خضم الإبادة المستمرة على غزة، وفي وقتٍ يسقط فيه آلاف الشهداء تحت القصف الإسرائيلي المدعوم غربيًا، تتسابق بعض الدول الغربية والعربية لإعلان "الاعتراف بدولة فلسطين". خطوة تُسوَّق إعلاميًا على أنها انتصار سياسي للشعب الفلسطيني، لكنها تثير تساؤلات عميقة: هل هو تحول جذري في المواقف؟ أم مجرد مؤامرة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية عبر الاعتراف المشروط والمفرغ من مضمونه؟
---
أولاً: الاعتراف.. بين الرمز والسياسة
منذ العام 1988، حين أعلن ياسر عرفات قيام دولة فلسطين في الجزائر، حظي الإعلان باعتراف عشرات الدول، أغلبها من دول الجنوب العالمي.
الجديد اليوم أن الاعتراف يأتي من دول أوروبية كانت على الدوام حليفة لإسرائيل.
لكن هذا الاعتراف يبقى رمزيًا بلا أدوات تنفيذية، إذ لم يترافق مع إجراءات حقيقية لوقف الاستيطان أو رفع الحصار أو منع العدوان.
---
ثانياً: السياق الزمني المشبوه
الاعترافات تتزامن مع أفظع مجازر عرفتها غزة في تاريخها، وكأنها رشوة سياسية أو مسكّن إعلامي لامتصاص غضب الشارع الغربي.
دول اعترفت بالدولة الفلسطينية وهي نفسها التي ما زالت تمد إسرائيل بالسلاح والغطاء الدبلوماسي في مجلس الأمن.
بذلك يصبح الاعتراف أقرب إلى إعادة إنتاج "أوسلو" جديد، حيث يتم الاعتراف شكليًا بدولة غير موجودة فعليًا على الأرض.
---
ثالثاً: مؤامرة تصفية القضية؟
التحقيق يكشف من خلال متابعة مواقف بعض العواصم الغربية:
الاعتراف لا يشمل القدس كعاصمة.
لا يتضمن أي حديث عن عودة اللاجئين.
يترك غزة خارج المعادلة، وكأنها "كيان متمرّد" لا ينتمي إلى الدولة الموعودة.
هكذا يصبح الاعتراف أداة لتكريس دولة فلسطينية مقطّعة الأوصال، بلا سيادة، فيما الاحتلال يتمدد في الضفة، والحصار يشتد على غزة.
---
رابعاً: الموقف العربي.. ازدواجية خطيرة
بعض الأنظمة العربية سارعت للترحيب بالاعتراف، لكنها لم تتحرك لوقف المجازر.
هذا يطرح تساؤلًا استقصائيًا: هل الهدف صناعة "إنجاز سياسي" زائف للتغطية على عجز الأنظمة عن نصرة غزة عسكريًا وسياسيًا؟
في المقابل، تؤكد القوات المسلحة اليمنية – أنصار الله أن القضية لا تُختزل في اعترافات شكلية، بل في الميدان حيث تُستهدف السفن الإسرائيلية وتُحاصر موانئ العدو.
---
خامساً: الحقيقة الميدانية
كل اعتراف لا يتبعه وقف للعدوان وفك الحصار هو مؤامرة سياسية.
غزة اليوم تدفع دمًا ودمارًا ثمنًا لحقيقة أن الغرب يحاول إعادة هندسة القضية الفلسطينية بما يخدم أمن إسرائيل.
الاعتراف، إذا لم يكن مقرونًا بجدول زمني لإنهاء الاحتلال، لا يعدو كونه خيانة مغلفة بالشعارات الإنسانية.
---
خاتمة
التحقيق يكشف أن الاعتراف بدولة فلسطين، في صورته الحالية، ليس سوى سلاح ذو حدين:
حدٌّ قد يخدم الفلسطينيين في ساحات القانون الدولي.
وحدٌّ آخر قد يكون أخطر، إذا استُخدم لتثبيت الاحتلال وتجزيء القضية وإبقاء غزة خارج المعادلة.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل ستسقط الأمة في فخ الاعترافات المضللة، أم ستفرض على العالم الاعتراف الحقيقي بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة من النهر إلى البحر؟
---
✍️ الإعلامية الدكتورة
بدور الديلمي
صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والإقليمية