كتب الأستاذ حليم خاتون:
الصراع الذي لا ينقطع بين المقاومة وحلفائها من جهة، وبين السلطة برموزها التنفيذية والقضائية ورموز التبعية لأميركا وإسرائيل والخليج داخل الهيئات التشريعية من جهة أخرى يتحول شيئا فشيئا إلى قصة "إبريق الزيت"...
كأنه زواج كاثوليكي بين الإثنين...
يتقاتلان على كل شيء تقريبا، إلا الأساس... لا يقترب أحد من استمرار انهيار ما تبقى من مؤسسات ما يُفترض أنه يشكل نواة دولة...
هكذا، وسط "العجقة"، خرج رياض سلامة من السجن بكفالة ١٤ مليون دولار Fresh Money، هبطت على المحكمة من السماء رغم السيطرة الجوية والبرية والبحرية لأميركا وإسرائيل وحلف الناتو والخليج على كل مرافق البلد لمنع اي دولار ان يأتى لإعادة الإعمار أو إراحة الناس...
أسئلة منطقية طرحتها القاضية غادة عون... لكن لا الرئيس جوزيف عون أجاب، ولا الرئيس نبيه بري تساءل...
أما المفترض أن يكون رئيس حكومة الإصلاح ومحاربة الفساد نواف سلام فقد كان معتكفا إلى ما بعد تنفيذ الإفراج عن رياض سلامة وربما غدا تبرئته من كل التهم لأن الإنهيار المالي والاقتصادي حدث صدفة، ولم يكن مدبرا من قبل الغرب والخليج حتى يخضع لبنان لصندوق النقد او البنك الدولي... باختصار حتى يتعرى لبنان أمام أميركا وإسرائيل...
أما بقية الوزراء داخل حكومة المندوب السامي الأميركي... هؤلاء على الروتين... يتحركون وفق الأجندة التي لم ولن تصل إلى أي مكان...
وزراء أميركا وإسرائيل والخليج الذين يسيطرون على أكثر من أغلبية الثلثين يتابعون ما يمكن أن يقوله ناطور بناء في طهران حتى يخرج يوسف رجّي ليقيم الأرض ولا يُقعدها...
وزير العدل التابع لحزب الكتائب كان يتابع ما يحدث حول صخرة الروشة عبر احد النواضير التي حصل عليها من رئيس حزبه سامي الجميل...
سامي الجميل نفسه كما سمير جعجع، كما مخزومي، كما ريفي، كما بقية الربع... كلهم كانوا مشغولين في كيفية الدفاع عن السيادة لأن هناك تكريم شهيد إغتالته أميركا وعليه أن يموت بصمت حتى لا تغضب السعودية والإمارات وبقية المعزى في الخليج، بينما الطيران المُسيّر الاسرائيلي لا يغادر أجواء لبنان...
بالنسبة لنا نحن أهل العداء المستحكم لأميركا وإسرائيل، لم ولا ولن نتوجه بأي نقد لكلاب أميركا وإسرائيل والخليج...
هؤلاء أناس يبيعون اللبنانيين حكي، وكل همهم تنفيذ أوامر السيد الاميركي الأبيض، حتى لو كان الأمر الدفع باتجاه حرب أهلية طالما أن الرفيق أبو محمد الجولاني جاهز، وطالما الجيش الإسرائيلي مستعد لمزيد من الدعم لحكومة سلطة العمالة للسفارة الأميركية في عوكر...
كل هؤلاء بالنسبة للوطنيين لا يعنون شيئا، حتى لو تلقوا الدعم الكامل من المفتي دريان الذي يعيش في جلباب السعودية وبات لا يدري في اي أرض يعيش، ولا في أي أرض سوف يموت لأن الموت بالنسبة إليه لم يعد حقا...
السؤال الكبير كِبر كل التطورات يُطرح فقط على المقاومة المحتارة والتي تحيرنا معها...
النائب السيد حسن فضل الله أعلن بصريح العبارات أن هناك تحقيقات جرت وأخرى تجري داخل أروقة الحزب لاكتشاف الخلل الذي حصل...
إنه نفس السيد حسن فضل الله الذي كلفه حزب الله بمعاينة كيفية مواجه الفساد والفاسدين المنتشرين في كل مؤسسات السلطة اللبنانية في العقود الثلاثة او الأربعة الأخيرة...
يومها خرج النائب فضل الله بقرارات تطالب سلطات الفساد بمحاكمة نفسها!!!...
فلنكن موضوعيين... فلتكن المقاومة موضوعية، وليتم فحص كل التجربة التي خاضها حزب الله منذ اجتياح ال ٨٢ وحتى اليوم...
لقد مرت مقاومة حزب الله تحديدا في ثلاثة مراحل:
١- مرحلة المقاومة الشعبية من ٨٢ وحتى التحرير سنة ٢٠٠٠ حيث تميزت المقاومة بأكثر من انتصار حتى وصلت إلى تحرير معظم الأراضي اللبنانية من رجس الاحتلال الصهيوني...
٢- هي مرحلة الدخول إلى السلطة التشريعية تحت يافطة التعاون مع الرئيس رفيق الحريري وفق مفهوم نجح في شرحه النائب الجنرال جميل السيد حين اختصره بكلمات عربية بسيطة جدا:
لكم فسادكم، ولي سلاحي...
تميزت هذه الفترة بنوع من التآلف بين الحريرية والمقاومة بعد شد حبال استمر طيلة تسعينيات القرن الماضي...
لكن رغم دخول حزب الله في السلطة التنفيذية بعد اغتيال الحريري، ظل الحزب يراقب الفاسدين دون أن يحرك ساكنا...
٣- هي الفترة الممتدة من ٢٠٠٦ وحتى وقف النار في ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤...
كانت هذه فترة تزاوج المقاومة مع الفاسدين في خلطة أدت فيما أدت إلى مرور كل التآمر المالي والاقتصادي، والحصار الأميركي/ الخليجي للبنان، والترسيم البحري المشؤوم من تحت أرجل المقاومة، وهي ترى كل شيء ولا تستطيع فعل أي شيء على الإطلاق...
تلهت المقاومة بديكورات السلطة، ولم تستطع حتى محاكمة العملاء الذين كان يتم الإفراج عنهم بكل سهولة...
لم تستطع المقاومة حتى الدفاع عن سريتها أمام انكشاف كل الداتا التابعة لكافة السلطات اللبنانية عمدا من قبل أتباع أميركا وإسرائيل والخليج...
صحيح ان المقاومة قامت بإنشاء مصانع تحويل الصواريخ العمياء إلى صواريخ دقيقة، ومصانع إنتاج طائرات مسيرة تم استعمالها بنجاح في حرب الإسناد إلا أن هذه المقاومة لم تقم بالتعاون مع أي مؤسسة من مؤسسات الذكاء الصناعي ( طلال أبو غزالة مثلا) لإنتاج أجهزة بدل الاعتماد على الاستيراد الذي جعل كل بيوتنا مكشوفة أمام الأميركي والاسرائيلي...
كما إذا صدقت التقديرات الغربية التي كانت تقول ان ميزانية حزب الله كانت تصل إلى ٨٠٠ مليون دولار سنويا، يمكن للمرء أن يتساءل لماذا لم يتم إنتاج أجهزة بيجرز محلية بدل الذهاب إلى المجر الأكثر تاييدا لإسرائيل في أوروبا، ما تسبب بضربات قاتلة لجسم المقاومة في ١٧ أيلول ٢٠٢٤...
سؤال منطقي آخر:
ما هي كلفة بناء ملاجىء للمدنيين في الجنوب والبقاع والضاحية داخل الجبال وتحت الأبنية؟
لو تم تخصيص ١٠ إلى ٢٠ مليون دولار سنويا منذ ٢٠٠٦ وحتى ٢٠٢٣، لكان توفر امكنة لجوء للناس بدل "المرمطة" في مناطق يسيطر عليها أتباع أميركا وإسرائيل والخليج...
عندما يطرح المرء هذه التساؤلات أمام بعض التابعين لحزب الله، يتلقى إجابات بأن الحزب لم يقم بهذا لكي لا يجمع المدنيين في أماكن يستطيع الإسرائيلي قصفها بالقنابل الثقيلة الخارقة للأعماق!!!
بمعنى آخر، لماذا الحماية طالما أن الإسرائيلي سوف يطال الناس في كل الأحوال!!!
بهذه الإجابات البلهاء، يُصدم أي عاقل يطرح أسئلة منطقية في الدفاع...
ثم... بماذا استفادت المقاومة من الجلوس في حكومات وحدة وطنية مع العملاء مع كل حكومات فؤاد السنيورة وغيره طالما أن الحزب كان عاجزا عن فعل شيء منطقي واحد بفعل التآمر الأميركي الخليجي...
ألم يكن من الأفضل أن تظل بنية الحزب سرية ولا يشارك في حكومات الفساد على اختلافها ويتلوث بوسخها بحيث تطاله أسهم العملاء دوما بالاتهامات...
حتى حين نجح حزب الله وحلفاؤه في نيل الأغلبية في البرلمان؛
ماذا فعل؟
شكل حكومات وحدة وطنية مع العملاء الذين افشلوا كل ما يمكن ان يريح الناس وتسببوا بنجاح الحصار المالي والاقتصادي الخليجي الأميركي وانهيار البلد...
والأنكى من كل ذلك انهم مصرون على إنكار الهزيمة وهذا صحيح، فالمقاومات لا تنهزم طالما لم يتم القضاء عليها، وحرب ال ٦٦ يوما كانت انتصارا عسكريا عظيما، لكن حزب الله تصرف كأنه مهزوم حين وافق على وقف نار وضع كل الأوراق بيد أميركا وهي العدو الذي اغتال السيد وبقية القادة...
لم يكتف حزب الله بهذا، بل ساهم تحت شعارات نصر وهمي في إيصال مرشح أميركا والسعودية إلى الرئاسة، مما ادى الى وصول عميل الغرب نواف سلام وحكومة يزيد نسبة عملاء أميركا فيها على النصف...
يرتكب حزب الله الخطأ تلو الخطأ ثم يصرخ إنه تعرض للخديعة....
ماذا ينتظر من الأميركيين وأتباعهم؟
البقلاوة ام العصا؟
بعد مضي سنة كاملة من الإذلال الذي لا يتوقف، يسأل المرء نفسه:
ألم يكتف حزب الله من الأخطاء والخطايا؟
حتى متى يستمر القبول بترك كل شيء في أيدي الاميركيين وهم العدو الحقيقي؟
على حزب الله أن يفهم، وان يقوم بطرح برنامج مقاومة فعلي ويشرح كل المخاطر للناس...
المفتي دريان لن يتحرر غدا من الإملاءات السعودية...
سوف يكون هناك دوما فؤاد مخزومي ما وأشرف ريفي ما...
لن يتحول سمير جعجع إلى قديس، ولن يقبل سامي الجميل بأن يكون الجيش اللبناني قويا بما يكفي لمحاربة إسرائيل...
أسامة سعد ينقلب على المقاومة لأنه يرفض أن يكون ازعر للحزب؛ أي إنه يعتبر إنه كان في السابق ازعرا لحزب الله واليوم توقف لأن الزعرنة أكثر ربحية حين تكون للسعودية...
حزب الله يعرف ان أي مقاومة في التاريخ لم تنجح ابدا في يكون عليها إجماع، وإنه في الحد الأقصى، لا تزيد نسبة التأييد الفعلي لأية مقاومة على ١٠ إلى ٢٠ بالمئة من الشعوب؛ لذلك عليه الكف عن مجاملة هذا او مغازلة ذاك...
عند حزب الله مهمة وطنية وقومية وحتى شرعية من وجهة نظر دينية ودنيوية؛ عليه العمل لتحقيق ذلك وسط نباح نواف سلام وبقية الشلة...
إن الاستمرار في النهج الحالي سوف يؤدي حتما إلى التهلكة...
ابو محمد الجولاني ليس حليفا ولن يكون... بل هو من أرذل أعداء الأمة...
من يتابع تركيا وكيف يسوق إردوغان لمشروع ترامب لغزة والضفة عليه ان يعرف ان ما قام به يحي السنوار ورفاقه هو عين العقل...
لا ثقة باي نظام عربي أو إسلامي من تلك القائمة الآن والتي لم ولن تفعل شيئا...
النظامان الرسميان العربي والإسلامي شريكان مع ترامب في التآمر للقضاء على القضية الفلسطينية...
هزيمة أميركا وإسرائيل تقوم على الذهاب إلى القتال الشامل كما تفعل غزة وكما يفعل اليمن الذي عليه هو أيضا أن يتحرر من بعض التأثير الإيراني والصيني والروسي، وإن يذهب هو نفسه إلى الخيارات الصفرية في قلب الطاولة على رؤوس الجميع بما في ذلك الصين وروسيا...
إذا كنا فعلا على العهد:
فنحن ننتصر حين ننتصر
وننتصر حين نُستشهد...
لقد وضعنا الأميركيون والخليجيون بين أمرين:
بين السلة والذلة...
اختاروا انتم؛ لكن لا تقولوا بعد اليوم انكم تعرضتم للخداع...
الناس سئمت من الأخطاء!
إما أن تكونوا رجالا،
او تتركوا الساحة للرجال الرجال...