كشفت دراسة حديثة أجراها علماء من المركز الطبي بجامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية عن السبب الذي يجعل الدماغ يفقد قدرته على تحديد الاتجاهات بدقة مع التقدم في السن .

وأوضحت النتائج المنشورة في مجلة Nature Communications (NatCom) أن الخلايا الشبكية (Grid Cells) — وهي خلايا عصبية مسؤولة عن تكوين «الخريطة الذهنية» للبيئة المحيطة — تفقد استقرارها الوظيفي مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى ضعف القدرة على التوجه المكاني لدى المسنين.

كيف توصل العلماء إلى هذا الاكتشاف؟

قام الباحثون بمقارنة نشاط الدماغ لدى ثلاث مجموعات من الفئران تمثل مراحل عمرية بشرية مختلفة:

فئران صغيرة (ما يعادل نحو 20 عاما من عمر الإنسان)،

فئران في منتصف العمر (ما يعادل 50–60 عاما)،

فئران مسنّة (ما يعادل 75–90 عاما).

وركزت الدراسة على منطقة القشرة الشمية الإنسية (Medial Entorhinal Cortex)، وهي المنطقة التي تحتوي على الخلايا الشبكية.

تعمل هذه الخلايا كنظام GPS داخلي في الدماغ، إذ تنشط في مواقع محددة من الفضاء، لتساعد الكائن الحي على إدراك موقعه واتجاهه بدقة.

تراجع استقرار الخلايا العصبية مع التقدم في العمر

أظهرت النتائج أن الخلايا الشبكية لدى الفئران المسنّة أصبحت أقل استقرارًا في نشاطها العصبي.

فعندما غيّر الباحثون المسارات في بيئة افتراضية، تحوّلت الإشارات العصبية إلى نمط فوضوي لدى الفئران الأكبر سنا، مما انعكس على سلوكها غير المنظم.

في المقابل، أظهرت الفئران الشابة والبالغة قدرة سريعة على تحديد موقع المكافأة داخل التجربة، ما يدل على نشاط دماغي منسق وواضح.

استثناءات مثيرة ونتائج جينية مهمة

لم يُظهر جميع الفئران المسنّة تراجعا متساويا في القدرات.

فقد لاحظ العلماء أن أحد الذكور المسنّين تمكن من أداء المهام بكفاءة تشبه الفئران الشابة، وأظهرت الفحوص أن خلاياه الشبكية كانت تعمل بدقة عالية.

وهذا ما أكد العلاقة المباشرة بين دقة عمل هذه الخلايا وبين القدرة على التوجه المكاني.

وأظهر التحليل الجيني اختلاف نشاط 61 جينا لدى الفئران التي تراجعت وظائفها العصبية مقارنة بتلك التي احتفظت بها.

من بين هذه الجينات، برز جين Hapln4، الذي يُعتقد أنه يسهم في استقرار الخلايا العصبية عبر تكوين شبكة بروتينية واقية تحيط بها.

الشيخوخة ليست حتمية في تراجع الذاكرة المكانية

أكد الباحثون أن تدهور القدرة على التوجه في المكان مع التقدم في العمر ليس أمرا لا مفر منه.

فالاختلافات الفردية في نشاط الدماغ والتكوين الجيني قد تؤثر بشكل كبير على طريقة عمل الخلايا العصبية أثناء الشيخوخة.

ويأمل العلماء أن تُمهِّد هذه النتائج الطريق لتطوير طرق علاجية جديدة تحافظ على صحة الدماغ والذاكرة المكانية، وربما تساهم في الوقاية من أمراض مثل الزهايمر واضطرابات الذاكرة المرتبطة بالعمر.