قمة شرم الشيخ.. تفاوض النار بين واشنطن وتل أبيب وحماس
مقالات
قمة شرم الشيخ.. تفاوض النار بين واشنطن وتل أبيب وحماس
د. بدور الديلمي
7 تشرين الأول 2025 , 20:24 م


تحقيق استقصائي – بقلم: الإعلامية اليمنية بدور الديلمي

بين هدير الطائرات الإسرائيلية فوق سماء غزة، وصدى صواريخ المقاومة التي تردّ على العدوان، تنعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية قمة وُصفت بأنها “آخر محاولات إنقاذ ماء الوجه الأمريكي” بعد فشل كل الوساطات السابقة في إنهاء الحرب الدامية على القطاع.

?️ مفاوضات تحت الضغط

القمة التي تجمع – بصورة غير مباشرة – ممثلين عن إسرائيل وحركة حماس، برعاية الولايات المتحدة ومصر، تأتي بعد أشهر من الحصار والتدمير الممنهج الذي فاق كل الحدود الإنسانية.

ورغم أن الغطاء المعلن هو “بحث سبل التهدئة وتبادل الأسرى”، إلا أن مصادر دبلوماسية كشفت أن الملفات المطروحة أعمق بكثير، وتتصل بمستقبل غزة السياسي والأمني، وبمحاولة إعادة تشكيل المعادلة الإقليمية من جديد.

?? الأجندة الأمريكية.. وقف نار مشروط

الخطة الأمريكية التي طرحها مبعوث واشنطن تتضمن وقفًا مشروطًا لإطلاق النار، يقابله:

1. انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع.

2. تبادل للأسرى يشمل مئات الفلسطينيين مقابل عدد من الجنود الإسرائيليين.

3. نزع تدريجي لسلاح المقاومة تحت إشراف دولي.

4. إعادة هيكلة السلطة في غزة بما يسمح بعودة نفوذ السلطة الفلسطينية، مع استبعاد حماس من القرار العسكري والسياسي المباشر.

ويرى مراقبون أن هذه البنود تعكس “صفقة سياسية مقنّعة” تسعى واشنطن من خلالها لتصفية المقاومة تحت غطاء إنساني.

⚔️ موقف حماس.. القبول بشروط الكرامة

من جانبها، أكدت حماس قبولها المبدئي بأي مبادرة توقف العدوان وترفع الحصار عن غزة، لكنها ترفض المساس بسلاحها أو التنازل عن حق المقاومة، معتبرة أن ما يُطرح في شرم الشيخ محاولة لفرض استسلام سياسي بعد فشل العدو عسكريًا.

مصادر مقربة من الحركة أوضحت أن وفد حماس “لن يوقّع على أي اتفاق يُبقي الاحتلال في شبر واحد من غزة أو يقيّد عمل المقاومة”، وأن الحركة لا تثق بالضمانات الأمريكية التي سقطت في تجارب سابقة.

?️ إسرائيل.. سلام مؤقت واحتلال دائم

أما إسرائيل فتدخل القمة تحت ضغط داخلي وخارجي غير مسبوق، بعد فشلها في تحقيق أهداف الحرب. ومع ذلك، تصرّ على ربط وقف النار بـ“تفكيك البنية العسكرية لحماس”، وهو شرط اعتبره محللون “مستحيلاً” في ظل استمرار المقاومة في الميدان.

وتشير تسريبات إلى أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لفرض “منطقة عازلة” داخل غزة، ما يعني عمليًا استمرار الاحتلال تحت مسمى “الإجراءات الأمنية الوقائية”.

?️ مصر في المنتصف.. وسيط بين النارين

تتحرك القاهرة بين الطرفين لتفادي انهيار المفاوضات، مدفوعة باعتبارات أمنها القومي، إذ أن انفجار الوضع في غزة يهدد سيناء مباشرة.

وتؤكد الدبلوماسية المصرية على أن “التهدئة يجب أن تكون شاملة ودائمة”، رافضة تحويل غزة إلى ساحة تصفية حسابات بين واشنطن وطهران أو بين تل أبيب والمقاومة.

? قراءة في المشهد

القمة ليست سوى صراع إرادات مموّه بلغة الدبلوماسية؛

واشنطن تريد فرض واقع جديد يخدم أمن إسرائيل،

وإسرائيل تبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها،

وحماس تصر على أن النصر لا يُقاس بالخرائط، بل بقدرة غزة على البقاء والصمود.

أما الشعوب العربية، فتراقب المشهد بعيونٍ غاضبة، وقد أدركت أن كل “مؤتمرات السلام” السابقة كانت بوابات لمرحلة جديدة من الاحتلال الناعم.

ما وراء القمة.. أهداف خفية تحت عباءة “السلام”

رغم الزخم الإعلامي الذي أحاط بقمة شرم الشيخ، إلا أن جوهرها الحقيقي يتجاوز مسألة “وقف إطلاق النار”. فالمتابع لتفاصيل الخطة الأمريكية يدرك أن واشنطن وتل أبيب لا تبحثان عن سلامٍ دائم، بل عن هدنةٍ تتيح إعادة التموضع العسكري والسياسي في المنطقة.

الولايات المتحدة ترى في القمة فرصة لإعادة نفوذها في الشرق الأوسط بعد سلسلة إخفاقات، بينما تسعى إسرائيل لتثبيت “نظام ردع طويل الأمد” ضد غزة، يُبقيها ضعيفة اقتصاديًا ومجتمعيًا حتى لو توقفت الحرب مؤقتًا.

وفي المقابل، تصرّ المقاومة على أن أي سلامٍ لا يُنهي الاحتلال هو شكلٌ آخر من العدوان، وأن الحديث عن نزع السلاح ليس سوى مقدمة لتجريد الشعب من حقه في الدفاع عن نفسه.

بذلك، تبدو قمة شرم الشيخ ساحة اختبار لإرادة الشعوب قبل أن تكون طاولة تفاوض بين الأطراف؛ فإما أن تنتصر إرادة الحرية، أو تُكتب هدنة جديدة بمداد الخداع السياسي.

---

✍️ الإعلامية اليمنية بدور الديلمي

صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والإقليمية