لا ثقة بمن أدمنوا الامريكي
مقالات
لا ثقة بمن أدمنوا الامريكي
فراس ياغي
8 تشرين الأول 2025 , 20:45 م


كتب الأستاذ فراس ياغي:

الفلسطيني الرسمي ومنذ "اوسلو" وما قبلها ونتيجة للعلاقة الوثيقة بالنظام الرسمي العربي أدمن كما يبدو على مقولة السادات"99% من اوراق الحل بيد امريكا"، وطبعا سبق السادات ما كنا نسميها الرجعية العربية التي كان إدمانها على الأمريكي مئة بالمئة، فما يقوله الامريكي يُعتبر قانون وقدر يجب الإنصياع له وبغض النظر عن النتائج، خاصة أن من يؤثر ويستطيع الضغط على الإسرائيلي هم جماعة العم سام

لكن ما بعد "أوسلو" الإدمان الفلسطيني أصبح عادة وتطور ليصيب مجمل النخب في الفصائل والمستقلين، بل أسست مراكز إدمان ثابتة ممن تسمي نفسها منظمات مجتمع مدني "NGO's"، وهنا لا أشير للكل وإنما للبعض

بقيت المقاومة وفصائلها وعلى رأسها حركة "حماس" لم تصل إلى درجة الإدمان رغم كل الحوارات السابقة المباشرة وغير المباشرة، الأكاديمية وغير الأكاديمية، لكن في ظل حرب الإبادة والتطهير العرقي يبدو أن الأمور أصبحت تقترب من الإدمان

الحشد الكبير في شرم الشيخ والمتمثل بوجود الأقطاب الأكثر تأثيرا على حركة "حماس" والمتمثل في "رئيس المخابرات المصرية، ورئيس المخابرات التركية، ورئيس وزراء ووزير خارجية قطر"، يؤكد أن قضية الإدمان يجب أن تُحسم بشكل لا مجال فيه للشك مع حركة "حماس"، وهذا الإدمان هو الشرط الأول والأخير لتطويع إسرائيل للتغاضي عن بعض الأمور غير الجوهرية وبضمانات أمريكية

التاريخ البعيد والحاضر يؤكد على عنوان واحد، أمريكا تعمل لأجل ليس فقط حماية إسرائيل، بل تسييدها على المنطقة وجعلها القوة التي لا تُقهر، وحين قُهرت في السابع من تشرين/أكتوبر، جاء الأمريكي وخلفه الغرب ككل وعلى رأسهم اوروبا ليس للوقوف خلف صنيعتهم إسرائيل بل لإعادة البوصلة نحو مفهوم القوة الرادعة التي لا تُفهر، حيث سمحوا وشاركوا في عملية الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة ووفقا لما تريده إسرائيل السياسية والعسكرية والأمنية، رغم أن الرئيس الأمريكي السابق "بايدن" وبعض زعماء أوروبا نصحوا نتنياهو بألا يذهب إلى الجنون ويستفيد من أخطاء ردات الفعل على الحادي من سيبتمبر "إحتلال افغانستان والعراق"، لكن الإسرائيلي الذي كان مهزوم داخليا ووجد ان "سماءه وقعت على الارض فوق رأسه" اراد أن يُعيد الإعتبار لقوة جيشه وأمنه عبر الوحشية والتدمير والإبادة، هذا ما قاله رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي "هيرتس هاليفي" لزوجته صباح السابع من تشرين/أكتوبر "ستدمر غزة" وفق ما افادت زوجته، أي أن ردة الفعل حسمت منذ الثانية الأولى لهجوم السابع من تشرين/أكتوبر

طبعا لم يحسب الإسرائيلي حساب التداعيات من حيث، طول مدة المعركة، وحجم ردات الفعل العالمية على الإبادة والتطهير العرقي، وحده نتنياهو كان يعلم أن المدة الزمنية لحروبه ستكون مفتوحة لأن في ذلك حماية له من السقوط، ووحده كان يعلم أن المهم ليس العالم ولا الأسرى والمحتجزين وإنما بقاء الدعم الأمريكي

في الذكرى الثانية للسابع من تشرين/أكتوبر، إسرائيل التي دمرت غزة وأوصلتها إلى ما بعد الكارثة، اصبحت تعيش عزلة ونبذ في العالم غير مسبوق، بل تُرجم ذلك بما سُمي تسونامي الإعترافات بالدولة الفلسطينية وعاشت وتعيش إسرائيل لحظة تاريخية من الإنهيار الدبلوماسي، بل الأمور وصلت لفرض عقوبات تجارية وإقتصادية وحظر اسلحة

الأمريكي الذي يخاف على إسرائيل أكثر مما تخاف هي على نفسها، تحرك فورا، ورأى أن جنون "نتنياهو" الذي اصاب دولة حليفة هي دولة "قطر" اصبح يشكل خطر كبير على مجمل دولة إسرائيل التي هي المصلحة الأمريكية الأولى في المنطقة، "رغم ان قناعتي الشخصية تنفي عدم علم الأمريكي وبالذات الرئيس ترامب بخطة وعملية قصف الدوحة من قبل إسرائيل، بل كان ترامب جزء من خطة خداع وتضليل سبقت عملية محاولة الإغتيال الفاشلة"

وللعلم التحرك الأمريكي بوضع خطة من قبل "ويتكوف وكوشنير وطوني بلير" سبقت محاولة الإغتيال في الدوحة بحوالي شهر ونصف، وكان من المفروض فرضها بالقوة بعد عملية الإغتيال حيث يعلن "نتنياهو" النصر المطلق وتبدأ عملية السيطرة التامة بضغط امريكي، فشل محاولة الإغتيال دفع للذهاب للخطة البديلة، خطة محاصرة حماس دوليا وإقليميا عبر خطة مُعلنة من الرئيس ترامب، وإنقاذ إسرائيل الدولة من تصرفات إسرائيل نتنياهو واليمين المتطرف الذي وصل به الجنون لضرب دولة تُعتبر دولة وسيطة وحليفة للبيت الأبيض

فجائت خطة نيويورك، حيث قدم "ويتكوف" الخطة للدول الثمانية العربية والإسلامية، حيث تم تعديل واضافة بنود عليها وتم التوافق على إنهاء الحرب في قطاع غزة بثمن رأس "حماس" سياسيا وعسكريا، وبالاستعاضة عن خطة "ريفيرا الشرق الاوسط" بخطة إستثمارية تؤدي إلى هندسة غزة جغرافيا وديمغرافيا وفق رؤيا "كوشنير ـ بلير"، إضافة طبعا لتفريغ محتوى إعلان نيويورك من مضمونه لصالح "خطة ترامب" التي تدعي انها ستنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنها في الحقيقة خطة مبهمة هدفها تدمير كل الإنجازات التي حدثت خلال سنتين من تداعيات طوفان الأقصى

فوق ذلك كله يأتي "نتنياهو" إلى البيت الأبيض ويقوم بإلغاء وإضافة بنود للخطة المسماة "خطة ترامب" ويعلن عنها دون حتى مشاورة الدول الثمانية العربية والإسلامية، والتي تُرحب فيها كون هذه الدول تعيش حالة إدمان أمريكي كلي وزيادة على ذلك رعب داخلي من "ترامب" الشخص

الآن ونحن على ابواب التوصل لإتفاق حول المرحلة الاولى من "خطة ترامب"، عبر المفاوضات الدائرة الآن في شرم الشيخ نهمس في أذن المفاوض الفلسطيني، لا تُصدق امريكا ولا "ترامب"، ولا تُصدق المدمنين على امريكا لان هذا ديدنهم، ولا تُصدق كلماتهم ووعودهم لأنهم يرتجفون خوفا من الرئيس "ترامب" وفقط صدق إحساسك والتجربة وقبل أي إتفاق يجب أن تكون هناك ضمانات دولية اولا، وجدولة الإفراج عن الأسرى وفقا لخطوط الإنسحاب ثانيا، وعدم التنازل مطلقا على مفهوم العمر والأقدمية في تبادل الاسرى ثالثا، وربط اليوم التالي للحرب بدور واضح للسلطة الفلسطينية رابعا، اما أخيرا فحكومة التكنوقراط الفلسطينية يجب ان تكون فلسطينية الإختيار وعبر التوافق وربط اي شيء آخر بمسار سياسي لإقامة دولة فلسطينية

كل الحشد الموجود هو للضغط على "حماس"، وحضور الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية للمفاوضات هي محاولة من حركة حماس للهروب من تلك الضغوط، لكن هناك قضايا جوهرية لا يمكن التنازل عنها بمسمى وعود، لأن الأمريكي والإسرائيلي غير مضمونين، ولبنان شاهد حي، أما المدمنين على الأمريكي فهم معذورين لأنهم يُعبرون عن إدمانهم