كتب الاستاذ حليم خاتون: ذَهَبُ لبنان، وفِلْسُ الأرملة..
عادةً، في بلدان الشرق خصوصاً؛ كثيرا ً ما يكون مُقدَّمُ مَهْرِ العروس بعض الحلى الذهبية، بعدما كان في غابر الأزمان، أدوات منزلية...وكثيراً ما تلجأ المرأة، في أوقات الشدًة خصوصاً، إلى رهن أو بيع هذا الذهب، لكي تستطيع العائلة تخطًي هذا الوقت الصعب.
كم سمعنا عن هذه أو تلك المرأة، بنت الأصل، التي وقفت مع عائلتها وباعت"صيغتها"...(مصاغها من الذهب), إنّ من يُلقي نظرةً على كمية الذهب التي رُهنت، في هذه الأوضاع الصعبة، في القرض الحسن، أو ما يشابه من مؤسسات، يرى كيف استُعمِل الذهب في الأوقات الصعبة، لدفع أقساطٍ، أو معالجاتٍ صحيةٍ، أو بَدْءِ مشروعٍ صغير...
في لبنان، ومنذ ساءت الأحوال وانهارت الليرة، والبلد يتخبط على غير هدى, يفاوض لبنان صندوق النقد، ويستجدي، في أحسن الأحوال، مبلغاً يتراوح بين ٥ و٨ مليار دولار على مدار خمس سنوات؛ مبلغاً لن يحصل عليه إلا إذا قدّم فروض الطاعة لأميركا التي تمتلك ١٦٪ من الأصوات في الصندوق.
ما هي الشروط الثلاثة الأخرى التي كان على جبران باسيل تلبيتها للأميركيين، لتجنب العقوبات؟
باسيل تحدث فقط، عن شرط العلاقة مع حزب الله، لأن هذا الشرط يجعل منه بطلاً في بيئة المقاومة ؛ بطولةً يستطيع قبض ثمنها، في يوم من الأيام، من حزبٍ لا ينسى الجميل... باسيل أراد "تربيحنا هذا الجميل".
ما هي الشروط الثلاثة الأخرى؟
ما مدى علاقة هذه الشروط باستقلالية لبنان، ومدى ربطنا بالمحور الأميركي السعودي الإسرائيلي؟
ما مدى علاقة هذه الشروط بترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين؟
ألف سؤال وسؤال، قد يخطر على البال.
لكن أياً من هذه الأسئلة، لا يمكن أن يحمل خيراً لبلدٍ مُفلسٍ يستجدي المساعدة من كفيل عدوه الوجودي, يبدو أن اللبنانيين كما الفلسطينيين، واقعين في عشق قاتِلِهم.
لنفترض أن جارك قصدك، وطلب منك ألف دولار، لأنه يريد شراء ذهبٍ لزوجته، فهل تعطيه الألف؟, لنفترض أنه طلب قرضاً بخمسة ألاف دولار، وهو يملك ذهباً ب١٨ الف دولار، فهل تعطيه القرض؟
لماذا ثقافة الاستِجداء عميقة الترسّخ في عقلية الطبقة الحاكمة عندنا؟ لماذا علينا استجداء ابن سلمان أو ابن زايد أو أميركا أو أياً يكن لمساعدتنا، ونحن نملك ذهباً ب١٨ مليار دولار؟
كل التقديرات تقول: إنّ لبنان بحاجة إلى ما بين ٢٠ و٣٠ مليار دولار خلال ثلاث سنوات،لتخطي الأزمة والعودة إلى النمو...
الذهب يؤمن١٨ملياراً.
اللصوص من الطبقة الأوليغارشية يملكون في المصارف أكثر من ٦٠٪ من الودائع، أي أنّهم يملكون٦٠٪ من الاحتياطي الإلزامي الموجود فعلاً في المصرف المركزي والمقدر ب١٩ مليار دولار...
٦٠٪ من ١٩ مليار يساوي أكثر من ١١ مليار دولار.
١٨+١١= ٢٩ مليار دولار.
٢٩ مليار دولار، موجودة فعلا الآن، وليس خلال ثلاث سنوات.
ألا يكفي هذا لمنع الجوع والعوَز عن اللبنانيين؟
إن أي صاحب دكانة يستطيع إدارة الدولة أفضل من كل هذا الطاقم الذي تتصارع أطرافه من أجل المنافع والسرقةفقط.
يخرج بعض الإقتصاديين للتحذير من بيع الذهب.
لماذا لا نبيع؟
ألم نشترِ الذهب لحماية قوتنا الاقتصادية؟
أليس بيع الذهب اليوم أفضل لنا من الاستجداء وبيع الكرامة الوطنية، والخضوع لشذّاذ الأفاق، مِمّا يُسمى زوراً، زعماءَ وعرباً أيضاً؟
أم أنّ ذهبنا للزينة، حتى لو مات شعبنا من الجوع؟!
هل طبع العملة بلا تغطية أفضل؟,
أما تضييع الوقت في مناكفات بينما يأخذ عدوّنا كل يوم حيزاً من اقتصادنا بالشراكة مع هؤلاء الذين نستجدي المعونة منهم.
إما أن اللبنانيين "هبل"(بُلَهاء)، أو أنه يجري "استهبالهم", هذا، وحتى الآن لم نحسب الأموال الموجودة في البيوت، والتي سوف تخرج بمجرد أن ترى جدية في إدارة الدولة.
كما لم نحسب بعد، ما يجب أن يدفعه الذين يضعون أيديهم على أملاك الدولة، منذ عشرات السنين؛ أملاك يزيد ثمنها على ال١٥ مليار دولار، وفق أبسط التقديرات، أي أن إيجارها السنوي حسب
Bareme الدولة، يجب أن لا يقل عن ٤٪ ، أي حوالي المليار دولار سنوياً، وهؤلاءيحتلون ويستثمرون الأملاك منذ عشرات السنين.
كذلك، لم نحسب بعد المال المنهوب الذي تحول بسحر ساحرٍ،إلى قصورٍ وأبراجٍ مُشيدة.
الحكومة والأجهزة، تشاطرت ("الشطارة") على مساكين بعلبك أمس وهدمت مخالفاتهم، ولكنها أعجز من أن تدخل إلى أيٍّ من الأملاك البحرية أو النهرية وتجبرهم، على الأقل، على دفع ولو جزء مما يتوجب عليهم؛ وإذا رفضوا تُعرضُ هذه الأملاك للإيجارالفوري بالمزاد العلني.
كلّ هذا، ولم نحسب بعد ما تستطيع الحكومة جمعه بمجرد أن تتفضل وتعمل بدل أن تُجمِّد، ومنذ سنين، أمورالناس في الفرز و الضم، أو البناء أو....أو...
ثم يخرج بعض الإخوة من محور المقاومة، يدافعون ساعة عن حسّان دياب وساعة أخرى عن باسيل الذي تحول في نظرهم، بفضل العقوبات، إلى بطل ثمّ يعودون للركض خلف الحريري لعل وعسى...!!
وعندما يخرج جماعة ١٤ آذار مستهزئين بنا، يستغربون هذا الإستهزاء, لا يعملون، لا يعرفون أن يعملوا، ولا يَدَعون من يعرف أن يعمل، يعمل.
إن مأساتَنا ناتجةٌ عن تعلقنا، بأعدائنا وبأزلام أعدائنا، لحل مشاكلنا التي لم ولا ولن تجد لها حلّاً إلّا بعد تركيعنا، وإجبارنا على مرادهم، وحتى لوحقّقوا مرادهم، لن يرحمونا... لأننا نكون قد دخلنا فعلاً في العبودية.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة, سيأتي يومٌ، قد تضع فيه أميركا سمير جعجع على لائحة العقوبات، ولأننا سُذّجٌ، سوف نُهْرَعُ لجعله بطل الساعة.
هل منكم من يذكر لفّ ""الشهيد"" داني شمعون بالعلم الفلسطيني؟
هل منكم من يذكر "وطنية" إيلي حبيقة، التي رأيناها في صبرا وشاتيلا؟.
كأنّهُ مكتوب علينا نحن العرب التواجد دوماً بين الهبل والإستهبال.