كتب الأستاذ حليم خاتون:
القهر الذي يمارسه الاستعمار الأميركي عبر كلب الحراسة الإسرائيلي يستمر مع تزايد حدة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب والبقاع ليُظهر مرة أخرى وجه أميركا القبيح بآخر صوره...
لا يختلف الأمر في غزة...
ها قد عادت إسرائيل ومعها أميركا مباشرة إلى سياسة "جز العشب" في غزة، كما الحال في جنوب لبنان والبقاع...
رغم كل الدمار الذي حصل بعد سنتين من الإسناد والحرب الفعلية التي شنها الاستعمار وسط استحمار في المحور، يمكن القول إن النتيجة كانت أفضل الممكن في ظل قيادة في هذا المحور تعاملت بكثير من العقلانية والأخلاقية والتردد في عالم لا وجود فيه، لا للعقلانية، ولا للأخلاق، ولا يجب التردد فيه ولا لحظة واحدة عن اتخاذ القرارات الكبرى...
لكن في كل الأحوال، يمكن القول إننا في موقع متقدم جدا عن كل الحروب السابقة منذ ٤٨ و٦٧ و٧٣ وبالتأكيد ٨٢؛ لم يبق سوى أن تتحرك الضفة الغربية لتحمل المشعل وتسير لكي تلحق بغزة ومناطق الحافة الامامية من جنوب لبنان الذي يفوق الدمار فيها على ٩٠%؛
هنا كتُبت الأحرف الأولى من عز العرب، رغم نوم كل العرب، حكاما وشعوب...
ألم يحن الوقت لتقوم الضفة الغربية هي ايضا "بطوفان أقصى" يخصها هي...
على الأقل؛ على الضفة أن تبدأ بعصيان مدني شامل طالما محمود ابو كرش وسلطة رام الله لا ينفكان يتحدثان عن المقاومة المدنية ولكنهما لا يريدان القيام بأي شيء سوى التنسيق الأمني...
أحد أهم أمثال المقاومة المدنية هي تجربة غاندي في شكل من أشكال العصيان المدني الذي أوصل الهند إلى الاستقلال رغم أصابع بريطانيا النتنة في تقسيم شبه القارة الهندية..
على الضفة أن تكمل مسيرة الصلب على طريق الجلجلة حتى الوصول إلى زوال الكيان الاستعماري الصهيوني عن ارض فلسطين...
مسيرة الألف "ميل" التي تكلم عنها ماو في الثورة الصينية بدأت أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان، وبأكثر من مجرد خطوة أولى منذ أن وطأت أرجل الغزاة أرض القداسة...
لكن خطوة غزة في طوفان الأقصى بلغت من الجبروت والقوة ما لم تعهده مقاومة على مدى التاريخ...
نحن في قلب معركة الفوز بالنقاط إلى أن تحين لحظة الضربة القاضية التي لم يستعملها حزب الله وايران خلال سنتين فدفعا من الأثمان أكثر بكثير مما كان يمكن ان يُدفع لو هم دخلوا الحرب الشاملة منذ اليوم الأول...
خزان المقاومة في البقاع اللبناني واليمن لا يزال مليئا بعوامل النصر على أمل أن يلحق بهما أحرار العراق الذين ذُلّوا؛ لأن "ما غُزيَ قوم في عقر دارهم إلا ذُلّوا"...
وعلى أمل انتفاضة العروبة في سوريا التي استباحها وحوش القرون الوسطى بإدارة غربية تركية، وغطاء روسي...
كذلك أحرار العالم الذين انتفضوا لغزة؛ هم لا يزالون حاضرين في كل الساحات...
لا ينقص سوى أن تحزم الضفة الغربية أمرها لتلحق بها كل الأراضي المحتلة بالتدافع حتى زوال الاستعمار...
لا تدعوا السردية الفلسطينية التي حققت تقدما هائلا في كل الميادين تعود الى القمقم...
لكن على الضفة الغربية القيام اليوم...
"الآن الآن.. وليس غدا"...
حان زمن الثورة على عصر العبودية...
لم يترك ترامب للأمل مطرح...
كذلك فعل كلاب العرب والمسلمين في شرم الشيخ...
إما أن تقوم الضفة وإلا العبودية لمئة عام قادم على الأقل...
اما في لبنان، فلم يعد يحتاج الناس لسماع أبواق المقاومة تردد أسطوانات مشروخة تتحدى السلطة القائمة ومرتزقة الخليج والسعودية في هذا البلد من "قوات" و"كتائب" و"نواب صدفة" في أمور التصدي والدفاع عن السيادة...
انتهى زمن طرح "الحجة"على الآخرين...
هؤلاء ليسوا خصوما...
هؤلاء عملاء وخونة...
هؤلاء أعداء...
وكأعداء يجب التعامل معهم...
هؤلاء لا يحتاجون لمن يفضحهم... هؤلاء كما زعماء النظام الرسمي العربي أو الإسلامي؛ يتلقون بصقات ترامب ونتنياهو وكأنها ذرات مطر من السماء...
كل كلام هذه الأبواق لن تبرر يوما فداحة أخطاء المحور طيلة سنتين من حرب الإسناد حيث تآكلت قوة الردع بسبب غياب الإرادة وغياب القرار من أعلى مركز في حزب الله إلى أعلى مركز في طهران...
لم يعد أمر نواف سلام يهم...
منظمة فتح خرجّت من بين صفوفها رجالا عظاما كعماد مغنية وأنيس النقاش وأبو حسن سلامي؛ تماما كما خرج من صفوفها كلاب موصوفة كمحمود عباس وشلته من أولاد الحرام في رام الله، ووصل تأثيرها إلى لبنان بأن اتحفت مزبلة التاريخ في هذا البلد بشبه رجل هو نواف سلام...
كما تجاوز يحي السنوار كل كلاب رام الله والدوحة، علينا نحن عدم الالتفات لا لنواف، ولا لسمير جعجع، ولا لسامي الجميل، ولا لأي كلب من كلاب أميركا والسعودية...
نحن نعرف اننا عدنا أكثر من عشرين سنة إلى الوراء في القوة الهجومية، ولم نعد نمتلك قوة ردع حقيقية في معادلة تل أبيب مقابل بيروت...
كنا نمتلك هذه القوة، وقد ساهم عاملان أساسيان في تعطيلها:
١-عدم امتلاك الإرادة والقرار في قيادة المحور، وضياع هذا القرار في غياهب أوهام عن إمكانية إيجاد موقع تحت مظلة شرعية دولية مزعومة...
٢-الضغط الذي شكلته الجبهة الداخلية في لبنان، سواء في عدم بناء مجتمع مقاوم كما يجب، أو عبر الخضوع لأعداء المقاومة الذين شكلوا خنجرا في الظهر كما حصل في كل المجتمعات الأخرى التي قاومت احتلالات...
نحن لسنا أول مقاومة تتعرض للخيانة والطعن في الظهر من الداخل، ولن نكون آخر مقاومة؛ بل نحن تعرضنا للطعن في الظهر أكثر من مرة، ومن نفس الجُحر...
الأرجح أن يكون تحليل غسان سعود الذي خلص إلى عدم إمكانية استكمال حزب الله ترميم قوته العسكرية الهجومية صحيحا...
لكن الصحيح أيضا هو أن المقاومة في لبنان، كما المقاومة في غزة تحديدا (لا دخل للضفة في هذا الأمر حتى اليوم)؛ المقاومة في لبنان، والمقاومة في غزة عادتا بقوتهما الدفاعية حصرا إلى ما قبل السادس من أكتوبر ٢٣...
من المؤكد أن حزب الله أقوى بآلاف المرات مما كان عليه الأمر في الثمانينيات والتسعينيات وحتى بعد ذلك؛ لكن الظاهر اليوم على الأقل هو عدم امتلاك حزب الله حتى لردع جزئي كما كان الأمر مع تفاهم نيسان ٩٦...
التعويل على الدبلوماسية، والعيش في أوهام الحوار والتقارب مع السعودية وربما إيجاد حل مع الأميركيين؛ ليس اكثر من أوهام يجب القضاء عليها بدل زرعها في عقول الناس...
إنها نفس الأوهام التي أدت إلى نكسة حزيران ٦٧ مع عبد الناصر...
إنها نفس الأوهام التي أدت إلى نكسة حرب الإسناد مع السيد نصرالله...
كفوا عن زرع هذه الأوهام في عقول الناس...
لم يعد الحديث عن إفساح المجال أمام السلطة المسخ والديبلوماسية سوى هرطقة سياسية...
لم يعد منطق إلقاء الحجة على العملاء والخونة سوى هرطقة إعلامية...
يجب مصارحة الناس بأن الإعمار ليس فقط ممنوعا؛ بل أن العيش بسلام بعيدا عن القتل اليومي هو أيضا ممنوع...
بدل مصارحة الناس والارتفاع بالوعي الشعبي درجات إلى أعلى سلّم المقاومة، يخرج علينا إعلام المحور كل يوم بما يعرفه كل الناس عن عجز السلطة في لبنان، وعجز السلطة في رام الله، وعجز النظام الرسمي العربي وعجز العالم الإسلامي المليء بالخونة من شاكلة إردوغان، وكأنه اكتشف البارود...
هل ادّت كل التراجعات والصبر الاستراتيجي إلى حماية المدنيين؟
هل علينا العودة للعيش في ظل الرعب من الغدر الأميركي الإسرائيلي؟
ليس المهم إعادة الإعمار...
المهم حماية ما هو موجود وما سوف يعاد إعماره!
هذا لا يكون بالأخطاء المميتة التي ارتكبها المحور أثناء الحرب!
هذا لا يكون بتسليم جيش التبعية لأميركا أكثر من عشرة آلاف صاروخ كما صرح الضابط الأميركي المسؤول عن تأمين استسلام المقاومة الإسلامية...
عشرة آلاف صاروخ يا جماعة!
والله حرام...
لو كانت هذه الصواريخ في أيدي من يمتلك إرادة قتال!...
لو كانت هذه الصواريخ في أيدي من يمتلك حرية اتخاذ القرارات الكبرى...
هذا ما لم تفهمه قيادة حزب الله طيلة حرب الإسناد ولذلك وقعت في خطأ التفكير أن آفاق الحرب تعتمد عليها وحدها، وإن العدو هو إسرائيل وليس أميركا حتى لو صرحّت الف مرة إنها تعرف ذلك..
تعاملت قيادة المقاومة مع حرب غزة وكأنها حربا محدودة رغم كل التحليلات التي كانت تتحدث عن البدء بولوج حرب عالمية ثالثة...
لم تستطع قيادة المحور رؤية المأزق الذي تواجدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والذي تحدث عنه المفكر الفرنسي ايمانويل تود عن بداية انحدار الإمبراطورية الأميركية وحتمية زوالها...
هو نفس المفكر الذي تنبأ بانهيار الاتحاد السوفياتي منذ أواخر السبعينيات، مع فرق بسيط هو أن الانهيار الأميركي سيضع حدا لكامل النظام العالمي الذي نعرفه...
بدا الأمر وكأن المحور يشاطر الصين وروسيا الخوف من الانهيار الأميركي وانهيار النظام العالمي بالتالي...
"أنا الغريق فما خوفي من البلل"!
الصين التي تتقدم في هذا النظام تريد الحفاظ عليه والتقدم بالتدريج لاحتلال المركز الأول فيه، وليس تدميره؛ لذلك وجود إسرائيل واختفاء فلسطين ليس مسألة حيوية لهؤلاء...
يقول البروفيسور ساكس أن الانهيار الأميركي يسير بوتيرة اسرع من الصعود الصيني...
هذا الأمر فهمه نتنياهو فقرر ملء الفراغ، بينما لا تزال الأغلبية العظمى من قيادات العالمين العربي والإسلامي تعيش وهم القوة الأميركية وتعطيه ما لا يستحق في عالم العبيد أمام السيد الأبيض...
المشكلة أن هذه الأوهام لا تزال تتحكم بشكل من الاشكال بفكر قيادة حزب الله التقليدية وقيادات المحور في طهران بما في ذلك المحافظين...
هذا ما يظهر بشكل واضح عبر شكل التعامل مع اعداء وعملاء الداخل... كما يظهر هذا في استمرار الرهان على النظام الرسمي العربي رغم التسريبات التي ظهرت في الواشنطن بوست حول دور مخزِِ لستة دول عربية في الحرب الأخيرة وفي العقدين الأخيرين من الصراع مع الصهيونية...
هؤلاء العملاء يتلذذون بالبوط الأميركي على رقابهم...
هؤلاء لا يشعرون بالذل لأنهم يجسدون الذل بأحقر صوره...
"طرح الحجة" على محمود عباس او نواف سلام مسخرة...
"ليس بميت إيلام"...
هؤلاء يتلذذون كما العواهر بالاغتصاب الذي تقوم به أميركا لسيادتهم وثرواتهم وحتى لذواتهم...
في شرم الشيخ، جمع السيد الأميركي الأبيض أكثر جِرائه إخلاصا...
تبسم كل الحضور من بلل بصقات ترامب، والفرحة تغمر الجميع...
المقال المنشور في الواشنطن بوست لا يتحدث عن موقف سلبي بعدم دعم الفلسطينيين من قبل النظام الرسمي العربي فحسب؛ بل هو يقوم بتسريب مستندات تتحدث عن المشاركة الفعلية لستة أنظمة في ست دول عربية إلى جانب إسرائيل في الحرب ضد محور المقاومة، وضد الفلسطينيين تحديدا...
بعض هذه الدول لعب دور السد في الدفاع عن الكيان الإستعماري الصهيوني من الصواريخ والمسيرات الإيرانية واليمنية؛ وبعضها الآخر ساهم حتى بالعمل العسكري المباشر استخباراتيا، وحتى هجوميا...
كل ما رأيناه من تخاذل عربي عام صار الآن موثقا:
نحن نعيش فعلا في أحط عصور الانحطاط التي تمر على الأمة منذ تحلل الإمبراطورية العباسية وسقوط الأندلس...
وصل الأمر بأحد المعلقين إلى شكر الله لأن إيزابيل وزوجها قاما بطرد العرب من إسبانيا مع سقوط الأندلس وألا لكانت هذه الدولة الداعمة بقوة اليوم للقضية الفلسطينية؛ كانت لتقف إلى جانب تلك الدول العربية والإسلامية التي تآمرت على فلسطين ودعمت إسرائيل بالمال والسلاح وحتى بالمشاركة الفعلية في القتال ضد مصالح الأمة...
وكأن مصيبتنا بالنظام الرسمي العربي لا يكفي، ظهر بوضوح مدى تآمر تركيا وإندونيسيا، وحتى باكستان عبر موافقة ترامب على كل خططه للقضاء على القضية الفلسطينية...
إردوغان الإخواني تآمر على غزة، وكان عونا لإسرائيل ضد الفلسطينيين تحت عباءة إسلامية كاذبة في مقابل نادر صدقة القائد الفلسطيني اليهودي المحكوم ستة مؤبدات والذي خرج بصفقة طوفان الأقصى...
نادر صدقة قائد من كتائب ابو علي مصطفى رفضت إسرائيل إطلاق سراحه في كل الصفقات السابقة لأنه ببساطة يضحض السردية الصهيونية عن فلسطين لأنه يهودي فلسطيني في المقاومة...
نادر صدقة ليس فقط دليلا على كذب إردوغان وملوك وامراء ورؤساء دول الموز العربية والإسلامية؛ نادر صدقة صفعة على وجه كل كلاب التكفير في كل البلاد العربية والإسلامية...
نادر صدقة هو صفعة على وجه حكومة لبنان؛ على حكومات لبنان، ومعهما كل أولاد الزانية من الصهاينة اللبنانيين...
المعروف عن الكلاب التفاني في خدمة السيد الأبيض...
لم يشذ أي من المجتمعين العرب في شرم الشيخ عن هذه القاعدة...
لم يخفِ المعلق الأميركي وليام مارتن قبل مدة على ساشة الميادين دهشته من حضور مسؤولين عربا لمؤتمر شرم الشيخ رغم كلمة ترامب في الكنيست التي تحدث فيها عن العرب والحكام المسلمين كأنهم نكرة؛ لأنهم هم من جعل من أنفسهم أكثر من نكرة...
لكن، وبغض النظر عن كل هذا، ليس المهم هو ما يجري في النظامين الرسميين العربي والإسلامي؛ المهم
هو ما يجري داخل حركات المقاومة؟
هل يمكن الشك، ولو لحظة واحدة بأي حركة من حركات هذه المقاومة؟
أثناء المفاوضات بين المستعمر الأميركي ووفد قيادة جبهة التحرير الفيتنامية، كان الاستعمار يزداد وحشية في القصف وارتكاب جرائم الحرب لكي يجبر الثوار على القبول "بهزيمة مُشرّفة!" بعد أن أيقن استحالة البقاء على أرض تنبت على كل شبر منها صرخة حرية!
موقف قيادات الفصائل الفلسطينية اليوم، كما موقف قيادات المقاومة الإسلامية في لبنان قَبِل بهزيمة في التكتيك وهو يروج لانتصار سوف يأتي بالستراتيجيا...
ماذا يفعل حزب الله؟
لا يعرف أي كان شيئا عن وضعية الحزب في الترميم وإعادة البناء...
لكن الأكيد أن حزب الله يقف اليوم أما تحدِِ كبير...
إما السير بثبات ونزع الأوهام وإما الغرق أكثر في الهزيمة...
أن نكون على العهد هو اكثر بكثير مما يحصل اليوم وعلى اللبيب أن يفهم!
لأن حرب الإسناد أثبتت أن غلطة الشاطر بألف غلطة، وغلطة المقاومة أثمانها لا تُعد ولا تُحصى من تدمير وقتل وإهانة وذل...