أعلن فريق علمي دولي من مستشفى الأطفال في سينسيناتي (الولايات المتحدة) بالتعاون مع شركة Roche عن تطوير أول نموذج كبدي بشري مناعي الكفاءة، قادر على محاكاة الاستجابة المناعية البشرية تجاه الأدوية الجديدة.
هذا الإنجاز العلمي، المنشور في مجلة Advanced Science، يمثل خطوة غير مسبوقة في مجال الطب الحيوي التجريبي ويهدف إلى التنبؤ بالآثار الجانبية المناعية للأدوية قبل اختبارها على البشر.
كيف يعمل النموذج المناعي للكبد؟
النموذج الجديد هو نوع متقدم من الأورغنويدات (الأعضاء المصغّرة) المكوّنة من الخلايا الجذعية والخلايا المناعية الخاصة بالمريض.
يمكّن هذا الدمج الفريد العلماء من دراسة كيفية تفاعل جهاز المناعة مع الأدوية على المستوى الخلوي والجيني، مما يساعد على تحديد مسببات السمية الدوائية المناعية التي تصيب نسبة ضئيلة من المرضى في الواقع.
وتُعرف هذه الحالات باسم إصابة الكبد الدوائية مجهولة السبب (IDILI)، وهي استجابة مناعية نادرة وغير متوقعة قد تسبب فشلاً كبدياً خطيراً، ولا يمكن للنماذج الحيوانية أو الاختبارات التقليدية التنبؤ بها بدقة.
خطوة نحو فهم تفاعل الأدوية مع المناعة البشرية
توضح أولغا بلاتونوفا، الكاتبة في موقع Наука Mail، أن النموذج الجديد يدمج بين الخصائص الجينية والمناعية للمريض، ما يسمح بتفسير سبب إصابة بعض الأشخاص فقط بسمّية دوائية معينة.
فقد تمكن الباحثون من إعادة إنتاج تلف الكبد الناتج عن المضاد الحيوي فلوكلوكسايسيلين، الذي يصيب فقط حاملي جين محدد.
وخلال التجربة، أظهر العضو الصناعي علامات دقيقة للتفاعل المناعي، مثل تنشيط الخلايا التائية CD8، وإفراز السيتوكينات، وتلف الخلايا الكبدية، بما يتطابق مع الحالات البشرية الواقعية.
أهمية الابتكار في صناعة الأدوية
قالت الدكتورة ماغدالينا كاسندرا، مديرة الأبحاث في مركز الطب بالخلايا الجذعية والأورغنويدات بمستشفى سينسيناتي: «كان هدفنا الدائم هو جلب علم الأحياء البشري إلى المختبر بطريقة قابلة للتوسيع والتكرار، تخدم المرضى مباشرة. إن الجمع بين علم الخلايا الجذعية والسمّية الدوائية التطبيقية يجعل هذا النموذج خطوة متقدمة في تطوير واختبار الأدوية.»
النموذج الجديد يفتح الباب أمام فهم أعمق لتفاعل الجسم مع الأدوية على المستوى المناعي، مما يمكّن شركات الأدوية من اكتشاف المضاعفات المناعية المحتملة في مراحل مبكرة، وبالتالي تقليل حالات سحب الأدوية بعد طرحها في الأسواق.
آفاق مستقبلية للبحث والتطبيق
تعمل مجموعة البحث حالياً على أتمتة تحليل الأورغنويدات وتطوير نظام فحص عالي الإنتاجية يسمح باختبار آلاف الأدوية عبر عينات مأخوذة من متبرعين متنوعين جينياً.
ويُعد هذا التوجه خطوة محورية نحو إنشاء قاعدة بيانات ضخمة تغطي التنوع الوراثي والمناعي البشري، مما يساعد في تصميم علاجات مخصصة لكل مريض وفقاً لتركيبته الجينية والمناعية.
ثورة في الطب الشخصي والوقائي
من المتوقع أن يسهم هذا الاكتشاف في إعادة تعريف طرق تطوير الأدوية واختبارها، والانتقال من نموذج "العلاج العام" إلى الطب الشخصي الذكي، حيث يمكن التنبؤ باستجابة كل مريض للدواء قبل تناوله.
كما سيُسهم في تقليل التجارب الحيوانية وتحسين أمان التجارب السريرية بشكل كبير، مما يجعل الطب أكثر إنسانية ودقة.