أثار تصريح رئيس وزراء الـ.ـعـ..ــدوّ "الإســـ..ـرائيلي" بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير 2025، عندما قال إن "إســـ..ـرائيل دخلت إلى سورية لتبقى فيها إلى الأبد"، جدلًا واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي. هذا التصريح، الذي جاء بعد أشهر من الـ.ـعـ..ــدوان "الإســـ..ـرائيلي" على لبنان وانهيار النظام السوري، اعتُبر إعلانًا صريحًا عن مرحلة جديدة في السياسة "الإســـ..ـرائيلية" تجاه الجبهتين الشمالية والشرقية. خاصة أن نتنياهو صرح أيضًا غير مرة أن "إســـ..ـرائيل" بصدد تكوين "شرق أوسط جديد".
فهل تعنى هذه التصريحات أن "إســـ..ـرائيل" ستُبقي قواتها في الأراضي السورية واللبنانية إلى أجل غير مسمى؟ أم أن التطورات السياسية والأمنية قد تفرض انسحابًا جزئيًا أو كليًا في المستقبل القريب؟
أولًا: الخلفية الميدانية والسياسية
١ - سورية: فراغ السلطة بعد سقوط النظام
منذ انهيار نظام بشار الأسد في أواخر 2024 والذي كان لـ"إســـ..ـرائيل" دور كبير فيه بالإضافة إلى الدور لكل من أميركا وتركيا وروسيا، شهدت سورية فراغًا أمنيًا كبيرًا، خصوصًا في الجنوب. استغلّت "إســـ..ـرائيل" هذا الوضع لتوسيع وجودها العسـ..ـكري في المناطق الحدودية تحت ذريعة "منع تمركز الميليشيات الإيرانية أو حــ.ـزب الله"، ولإنشاء ما تسميه "منطقة أمنية عازلة" تمتد من القنيطرة حتّى جبل الشيخ، حيث لم يعد الجيش "الإســـ..ـرائيلي" يبتعد سوى ١٥ كلم عن العاصمة السورية دمشق.
نتنياهو أكد في أكثر من تصريح أن هذا الوجود ليس مؤقتًا، بل جزء من "ترتيبات أمنية جديدة" لحماية الحدود الشمالية لـ"إســـ..ـرائيل".
٢ - لبنان: ما بعد الحر ب الأخيرة
في الجبهة اللبنانية، لم تنتهِ الحر ب بانسحاب كامل. فعلى الرغم من التوصل إلى وقف إطلاق نار هشّ بوساطة أميركية وفرنسية، ما زالت القوات "الإســـ..ـرائيلية" تسيطر على نقاط محدّدة داخل الجنوب اللبناني تحت عنوان "المنطقة الأمنية المؤقتة".
وزير الحر ب "الإســـ..ـرائيلي" إســـ..ـرائيل كاتز قال: إننا لن ننسحب من جنوب لبنان مطلقًا.
ثانيًا: دوافع البقاء "الإســـ..ـرائيلي"
١ - الهاجس الأمني:
"إســـ..ـرائيل" تعتبر أن أي انسحاب سريع قد يعيد التهـ..ـديدات إلى حدودها من قبل محور المـ..ـقاومة.
٢ - الأهمية الإستراتيجية:
السيطرة على جبل الشيخ وجنوب سورية تمنح "إســـ..ـرائيل" تفوقًا استخباراتيًا وراداريًا على المنطقة كلها.
٣ - الرسالة السياسية:
تل أبيب تسعى لتكريس "واقع جديد" في الشمال بعد انهيار النظام السوري، بحيث تكون لها اليد العليا في رسم مستقبل المنطقة لا بل في تغيير شكلها كليًا.
٤ - الاعتبارات الداخلية:
نتنياهو يحاول عبر هذا النهج تعزيز موقفه الداخلي، خصوصًا أمام المعارضة التي تتهمه بالضعف في غزّة ولبنان.
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: البقاء طويل الأمد (الاحـ.ـتلال المقنّع)
المعطيات: استمرار التوّتر الإقليمي، غياب سلطة مركزية قوية في دمشق، وتجميد المسار السياسي اللبناني.
النتيجة: "إســـ..ـرائيل" تكرّس وجودًا عسـ..ـكريًا دائمًا في "المنطقة العازلة" جنوب سورية، وتحتفظ بمواقع مراقبة داخل لبنان.
والجدير ذكره أن في عقيدة "إســـ..ـرائيل" لا يوجد شيء اسمه منطقة عازلة، هذه الحجة التي تستعملها دائمًا بهـ.ـدف حماية حدودها الشمالية، إنما يقوم هذا الــكـ..ـيان باللعب على عامل الزمن وعلى الذاكرة بحيث بعد مرور عدة سنوات تصبح هذه المناطق المسماة عازلة، جزءًا لا يتجزأ من هذا الــكـ..ـيان، والجولان مثالٌ واضحٌ على ذلك.
الانعكاسات:
توتّر دائم مع دمشق وبيروت.
تصـ..ـعيد محتمل مع محور المـ..ـقاومة.
استنزاف اقتصادي وأمني لـ"إســـ..ـرائيل" نفسها على المدى الطويل.
السيناريو الثاني: الانسحاب التدريجي المشروط
المعطيات: ضغط دولي متزايد (خصوصًا من واشنطن وباريس)، ومفاوضات حول ترتيبات أمنية إقليمية جديدة.
النتيجة: "إســـ..ـرائيل" تسحب قواتها جزئيًا من سورية ولبنان مقابل ضمانات أمنية دولية أو إنشاء منطقة مراقبة أممية.
الانعكاسات:
استعادة جزئية للسيادة السورية واللبنانية.
تقليص خطر المـ..ـواجهة المباشرة.
لكن بقاء النفوذ "الإســـ..ـرائيلي" غير المباشر عبر طا ئرات مسـ..ـيّرة أو قواعد استخباراتية.
السيناريو الثالث: الانسحاب الكامل عبر تسوية شاملة
المعطيات: اتفاق إقليمي كبير يشمل تطـ..ـبيعًا مع بعض الدول العربية وتسوية مع سورية ولبنان برعاية دولية.
النتيجة: انسحاب "إســـ..ـرائيلي" كامل من جميع الأراضي المحـ.ـتلة مقابل اعتراف وضمانات بعدم تهديد أمنها.
الانعكاسات:
نهاية مرحلة "المناطق العازلة".
تحوّل العلاقات ""الإســـ..ـرائيلية"" - العربية نحو التطـ..ـبيع.
لكنه سيناريو ضعيف الاحتمال في المدى المنظور، لغياب بيئة سياسية مناسبة في سورية ولبنان.
رابعًا: موقف القانون الدولي
وفقًا لقرارات الأمم المتحدة (وخاصة القرارين ٢٤٢ و٤٩٧)، يُعتبر الوجود "الإســـ..ـرائيلي" في أي أرض سورية أو لبنانية احـ.ـتلالًا غير شرعي.
لكن "إســـ..ـرائيل" تبرّر بقاءها باعتبارات "الدفاع الاستباقي"، وهو تبرير مرفوض دوليًا.
حتّى الآن، لم يصدر أي قرار جديد من مجلس الأمن يجبر "إســـ..ـرائيل" على الانسحاب، رغم اعتراضات دمشق وبيروت.
خامسًا: احتمالات المستقبل القريب
في ضوء الواقع الراهن، يبدو أن "إســـ..ـرائيل" لن تنسحب قريبًا من الأراضي التي تحـ.ـتلها، لكنّها قد تلجأ إلى إعادة تموضع تكتيكي أو انسحاب محدود تحت الضغط الدولي أو في حال تغير موازين القوى.
أما على المدى البعيد، فاحتمال التسوية الشاملة سيبقى مرتبطًا بمدى استقرار النظام السوري الجديد، وموقع حــ.ـزب الله في لبنان، وتطور علاقة "إســـ..ـرائيل" مع القوى الإقليمية الكبرى.
خاتمة
تصريحات نتنياهو الأخيرة لم تكن مجرد موقف سياسي عابر، بل إعلانًا عن سياسة جديدة تقوم على فرض "أمر واقع دائم" في الجبهتين السورية واللبنانية.
ومع غياب تسوية إقليمية شاملة، يبدو أن الاحـ.ـتلال "الإســـ..ـرائيلي" لتلك المناطق سيستمر، ولو بصيغ مختلفة، إلى أن تتغير معادلات القوّة أو تتدخل قوى دولية لإعادة التوازن. خاصة أن نتنياهو صرح سابقًا لـ"قناة I24" أنه يسعى إلى "إســـ..ـرائيل الكبرى" وهذا الأمر يعتبره إلهيًا.
من هنا نرى أن "إســـ..ـرائيل" لن تنسحب لا من جنوب سورية ولا من جنوب لبنان إلا بالقوّة.