وُحُول الشرق الأوسط، أم رمال متحركة! المأزق
مقالات
وُحُول الشرق الأوسط، أم رمال متحركة! المأزق
حليم خاتون
21 تشرين الأول 2025 , 22:21 م

كتب الأستاذ حليم خاتون

في أواخر الثمانينيات، بعد كسر الوطنيين السُنّة في المنطقة لصالح إسرائيل عبر هزيمة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، جاء مبعوث أميركي بورقة أميركية سعودية راهنت على استمالة سوريا من منطقة النفوذ الروسي على حساب النفوذ السياسي لموارنة لبنان:

بعد فشل شحن المسيحيين بالبواخر الى كندا عقب حرب أهلية تقول المعلومات المُفرج عنها أنها حرب أهلية صناعة اميركية بامتياز، صار عنوان الورقة الاميركية:

"مخايل الضاهر أو الفوضى!

رفض المسيحيون هذه المعادلة الأميركية السعوديه قبل أن يعودوا ويوافقوا على ما كانوا رفضوه سابقا في الوثيقة الدستورية ثم في الإتفاق الثلاثي...

تم "تكسير" رأس المسيحيين في اتفاق الطائف لصالح الطائفة السُنّية...

كثيرون ممن تبقى من مسيحيين في هذا الشرق بعد التهجير من العراق وسوريا رضخ وقبِل أن يعود ذيلا للأميركيين والإسرائيليين كما هم أغلبية السُنّة العرب بعد هيمنة جارفة للتيار الرجعي في هذه الطائفة على معظم العالم العربي والإسلامي بموت الحركات القومية...

المبعوث الأميركي اللبناني الأصل توماس برّاك ذو الأصول المُلتبِسة بين المسيحية أو اليهودية، قرر الاستفادة من التركيبة الجديدة في المنطقة حيث يسود التيار الرجعي السُنّي بعد ضربات قوية تعرض لها محور شيعي كان حمل مشعل حقوق الأمة وحقوق شعوب المنطقة...

يهدد برّاك بتحالف واسع من الرجعية السُنّية مع ما تبقى من مسيحيين صاروا أميركيين أكثر من الأميركيين مع من انضم اليهم من دروز يحلمون بكانتون درزي تحت الوصاية الإسرائيلية ضد أغلبية داخل الطائفة الشيعية لا تزال تعتبر إسرائيل شرا مطلقا وأميركا شيطانا اكبر...

توم برّاك حمل ورقة اميركية صادقت عليها حكومة نواف سلام التي يهيمن عليها ثلاثي من السُنّية الرجعية والمسيحيين المتأمركين والدروز المتأسرلين بعد انسحاب الشيعة المراهنين على بعض الدبس في طيز النمس الأميركي...

مرة أخرى، مع نية لشحن الشيعة بالبواخر الى العراق بعد شحن الفلسطينيين من غزة الى مصر ومن الضفة الغربية الى الاردن الذي يقول عنه دونالد ترامب إنه يملك من الأراضي ما يزيد على حاجته ويمكنه بالتالي ليس استقبال بضعة ملايين من الفلسطينيين من الضفة الغربية فحسب؛ بل ربما حتى ضم الضفة الشرقية من نهر الأردن للكيان الصهيوني...

مرة أخرى يأتي مبعوث أميركي يؤمن بشعب إسرائيل المُختار يحمل ورقة الى الشيعة تقول:

إما تسليم السلاح لنذبحكم ونشحن من يتبقى منكم الى العراق، أو حربا يشنها عليكم تحالف سُنّي رجعي مع مسيحيي السفارة الأميركية ودروز الكانتون الحالم بالحماية الإسرائيلية...

الشيعة الذين يشكلون البيئة الشعبية لفكر مقاومة أميركا وإزالة سرطانها الاستعماري المتمثل بإسرائيل منقسمون الى أغلبية مطلقة معادية لأميركا وإسرائيل، وبضعة مئات أو ربما ألف أو بضعة آلاف مما اصطُلِح على تسميتهم بشيعة السفارة ( سفارة أميركية أو خليجية أو حتى "خزعبلاتية"، لا يهم... الكل سواسية في العهر)...

الأغلبية المطلقة عند الشيعة تنقسم بدورها الى قسمين كبيرين:

قسم لا يزال يراهن على التفاهم مع أميركا والسعودية لتجنب التجرع من الكأس الإسرائيلية تقوده قيادتا حركة أمل وحزب الله معا واتباع إيران ( في زواج كاثوليكي على الحلو وعلى المر)...

وقسم آخر منتشر في الفئات الشعبية الفقيرة وبعض المثقفين الثوريين الذين تغلبوا منذ زمن بعيد على الأوهام الأميركية الخليجية، ويعرفون جيدا أن المستقبل ليس مزروعا بالورود ولا بإعادة الإعمار ولا بالتأكيد بازدهار اقتصادي رأيناه ونراه كل يوم في مصر والأردن والمغرب والسودان ولا باستخراج النفط والغاز ولا بأي شيء على الإطلاق...

كل يوم يتيقن القسم المراهن على التفاهم مع أميركا أن أوهامه تتبخر او تصطدم بجدار فولاذي من تحالف استعماري غربي يعمل على كسر أحلام الورد التي تأتي في عز الظهر، والتي نبتت في عقول لم تفهم بعد ان صراعنا مع هذا العدو ليس على قطعة أرض او بلد او بلدين او أكثر... صراعنا هو على أن نكون او لا نكون...

بعض الخزعبلاتيين يطلب خططا جاهزة واثباتات في نجاح التصدي لأميركا وإسرائيل وإلا فإنه لا يريد المشاركة؛ هو من الأصل استقال من النضال يوم تحول أكثر من نصف بعث العراق إلى دواعش...

لا يزال هؤلاء متمسكين بشرعية دولية أثبتت إسرائيل انها لا تساوي شيئا حين يتعلق الأمر بالشعوب المستضعفة...

لا إيران فهمت رسالة كوريا الشمالية حول العيش رغم شريعة الغاب؛ ولا حزب الله فهم أن خصوم الداخل في لبنان ليسوا اكثر من عملاء لا يمكن الركون إلى أي وحدة معهم رغم تطبيل وتزمير كم لا بأس به من أبواق محور المقاومة...

الإعلامي حسن عليق واحد ممن يسبح في عكس التيار الغالب في إعلام المقاومة...

هو لم ينتقد المقاومة مباشرة على الصبر الاستراتيجي وسياسة حياكة السجاد كما فعل الدكتور أسعد أبو خليل؛ لكنه من القلائل الذين يعرفون ان الصراع مع أميركا شر لا بد منه...

المشكلة عند قسم كبير من بيئة المقاومة أنهم يريدون حربا مفصلة على قياساتهم؛ لذلك يخرج البعض يطلب المستحيل حين يحلم بحرب نظيفة...

المشكلة الأعمق هي ان قسما ليس قليلا من الإعلاميين التابعين بشكل او بآخر للمقاومة يتبعون نفس الحلم حول الحرب النظيفة بدون خسائر، بدون تهجير، بدون إبادة وربما مع بضعة شهداء...

بل تبين أن جزءا مهما من قيادات حزب الله التقليدية ليست بعيدة عن هذا الحلم بالحرب النظيفة...

أما كيف يمكن الانتصار على أميركا في حرب نظيفة؟

هذا لن يكون ابدا...

هذا وهم..!

لكن هل يعني هذا الخضوع؟

عندما سقط الشهيد علي صوفان على طريق القدس كان التعليق الذي رفعته جدته: وجوب تطبيق شعار يا ليتنا كنا معكم في إشارة إلى قتال الحسين وأهل بيته...

حين ترفع المقاومة شعار انتصار الدم على السيف او شعار العين التي تقاوم المخرز، هي ترفع شعار قتال الجبروت والظلم مهما بلغت قوته...

حين رفع السيد الشهيد نصرالله شعار إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، كان يعرف ان وراء إسرائيل مشروعا امبرياليا لن يسمح بتمزيق خيوط العنكبوت بسهولة؛ لكنه قالها لأنه عرف ان إسرائيل هذه، هي من كان يهرب كالفئران من امام المجاهدين في كل الشريط الحدودي...

لم يختلف الأمر كثيرا...

نحن لا زلنا فيها...

إسرائيل أقوى بكثير منّا؛

أميركا والناتو خلف إسرائيل...

كان الأمر كذلك حين طردناهم سنة ٢٠٠٠؛ وكذلك سوف يكون الأمر حين نحزم أمرنا ونقرر اننا اذا ما كتبت الشهادة لنا فعلى الأقل علينا قتل ما تيسر من أعدائنا إلى أن تحين الساعة ونقضي عليهم أو يأتي من يقضي عليهم من بعدنا...

لكن الاستسلام ممنوع...

هنا بالضبط؛ يعيش الجميع في مأزق...

أميركا وإسرائيل عاجزتان لألف سبب وسبب عن انجاز الانتصار الكامل على محور المقاومة...

ومحور المقاومة رغم العجز الذي وقع فيه بسبب الأخطاء التي ارتكبها، لا يستطيع الاستسلام والقبول بما يطلبه المبعوث الأميركي...

لا الأول قادر على الانتصار، ولا الآخر مستعد للاستسلام...

بانتظار العودة إلى الحرب التي يجب أن تكون حتمية رغم رفض الرفيق السابق والأخ لاحقا ناصر قنديل لهذه الحتمية؛ علينا انتقاد كل الأخطاء التي وقع فيها المحور لكي يتم تجنبها مستقبلا قدر المستطاع...

بارّاك يضعنا بين السِلة والذلة وهو لا يعرف اننا أتباع ذلك الإمام الذي صرخ بأعلى الصوت:

هيهات منّا الذِلة

مهما طال الزمن...

حتى لو جاؤونا مباشرة من الجنوب والشرق...

حتى لوحركوا ضدنا كل كلاب الداخل في لبنان...

حتى لو جاؤونا في أجساد التكفيريين في سوريا والعراق...

كما انتصر المسيح وهو على الصليب...

وكما انتصر الحسين ورأسه على الرمح...

ستخرج زينب ومن بقي ليهزموا يزيد العصر الحديث سواء تكلم بالانكليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو العبرية أو حتى العربية...

وليتذكر الجميع أن ثلاثة آلاف مقاتل من حزب الله فقط واجهوا وهزموا أكثر من ٧٥ الف كلب صهيوني مدجج بكل السلاح من الناتو والمال من الخليج والمساندة من تركيا وروسيا...