فكّ شفرة التمثال البرونزي أمام مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية
منوعات
فكّ شفرة التمثال البرونزي أمام مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية
22 تشرين الأول 2025 , 14:06 م

بعد أكثر من ثلاثة عقود من المحاولات التي أربكت خبراء التشفير حول العالم، تمّ أخيرا حلّ الجزء الرابع والأخير من تمثال «كريبتوس» الغامض الذي يقف منذ عام 1990 أمام مقرّ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في لانغلي بولاية فرجينيا.

المفاجأة لم تأتِ من مختبرات الرياضيات أو أجهزة الاستخبارات، بل من اثنين من الصحفيين اللذين توصلا إلى الحلّ عبر تحليل وثائق متاحة للعامة في أرشيف معهد سميثسونيان بحسب موقع Наука Mail.

ما هو تمثال كريبتوس؟

يُعد «كريبتوس» عملًا فنيًا فريدًا ابتكره الفنان الأمريكي جيم سانبورن عام 1990. التمثال عبارة عن لوح نحاسي ضخم منقوش عليه أربعة نصوص مشفّرة يبلغ مجموع رموزها 869 رمزا.

استطاع علماء التشفير والهواة حول العالم فكّ الثلاثة أجزاء الأولى خلال التسعينيات، بينما ظلّ الجزء الرابع — المعروف باسم K4 — عصيا على الحل لأكثر من 35 عاما.

يبدأ النص الرابع بالحروف OBKR ويضم 97 حرفا، وكان شرط إثبات الحل دائما هو إظهار كيفية فك الشفرة رياضيا وليس النص فقط.

كيف تمّ اكتشاف الحل؟

في سبتمبر الماضي، أرسل الصحفيان جارِت كوبِك وريتشارد بيرن رسالة إلكترونية إلى الفنان سانبورن تضمّ النص الكامل المفكوك.

توصّلا إلى الحل بعد أن لاحظا أنّ «جداول التشفير» الخاصة بالفنان محفوظة ضمن أرشيف معهد سميثسونيان، والمذكورة في وثائق عرض مزاد كانت شركة RR Auction تستعد لتنظيمه.

قام بيرن بتصوير الوثائق، ولاحظ كوبِك لاحقا وجود قصاصات ملصقة ببعضها تحتوي على نصوص من الرسالة الأصلية، من بينها كلمتا BERLIN CLOCK وEAST NORTHEAST، وهما تلميحتان كان سانبورن قد استخدمهما في السنوات الماضية كأجزاء من الحل النهائي.

تأكيد الفنان وحماية السر لمدة 50 عاما

أكد الفنان جيم سانبورن صحة الحلّ الذي توصّل إليه الصحفيان، موضحًا أنّه أدرج تلك القصاصات في الأرشيف عن طريق الخطأ أثناء إعداد الوثائق قبل أعوام.

وطلب لاحقا من معهد سميثسونيان إغلاق الملفات وحفظها لمدة خمسين عاما قادمة، وهو ما وافق عليه المعهد رسميا، حفاظا على سرّ الطريقة الكاملة للتشفير.

تهديدات قانونية من شركة المزاد

ردا على الاكتشاف، أصدرت شركة RR Auction — التي كانت تنوي بيع الحلّ الأصلي للغز بمبلغ يتراوح بين 300 ألف و500 ألف دولار — تحذيرا قانونيا إلى كوبِك وبيرن، مطالبةً إياهما بعدم نشر النص الكامل، ومهدّدةً بإجراءات قضائية بتهمة التدخل وانتهاك حقوق الملكية الفكرية.

أكد الصحفيان لصحيفة نيويورك تايمز أنهما لا يخططان لنشر النص المفكوك احتراما للفنان وحقوقه الإبداعية.

لغز الكلمات أم لغز الطريقة؟

قالت إيلونكا دونين، وهي مشرفة على واحدة من أكبر مجتمعات عشاق «كريبتوس» على الإنترنت ومطوّرة ألعاب سابقة: "امتلاك الكلمات شيء، لكن كشف الطريقة شيء آخر تماما."

وأضافت أن فهم المنهج الرياضي والفني المستخدم في التشفير هو جوهر العمل الفني، وليس مجرد قراءة النص الناتج.

كريبتوس: تزاوج بين الفن والذكاء

يُعتبر «كريبتوس» مثالا استثنائيا على الدمج بين الفن والتشفير والرمزية السياسية.

فهو ليس مجرد تمثال جمالي، بل رسالة فكرية معقدة تربط بين السرّية والمعلومة والحقيقة، وهو ما جعلها جزءا من ثقافة المخابرات الأمريكية لعقود طويلة.

وبعد هذا الاكتشاف، يمكن القول إن اللغز الفني الأشهر في القرن العشرين قد كُشف أخيرًا، ولكن سرّ طريقة التشفير سيظل مطمورا نصف قرن آخر بقرار رسمي، مما يُبقي «كريبتوس» لغزا فنيا حيّا حتى القرن المقبل.

المصدر: Наука Mail