طوّر باحثون من مستشفى ماساتشوستس العام (Mass General Brigham) ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) كبسولة ذكية قابلة للبلع تُحدث تحولا جذريا في تشخيص اضطراب “نقص تروية الأمعاء الحاد” (Acute Mesenteric Ischemia)، وهو أحد أخطر اضطرابات الجهاز الهضمي التي يصعب اكتشافها مبكرا.
نُشرت الدراسة في مجلة Science Robotics، مؤكدة أن الكبسولة الجديدة المسماة FIREFLI أثبتت فعاليتها العالية في النماذج الحيوانية لتحديد الحالة بدقة تتجاوز 90%.
ما هو نقص تروية الأمعاء الحاد؟
يحدث هذا الاضطراب عندما يقل تدفق الدم إلى الأمعاء أو يُحجب جزئيا، مما يؤدي إلى تلف الأنسجة المعوية.
ورغم أن الحالات لا تمثل أكثر من 1.5% من زيارات الطوارئ لألم البطن، فإن معدل الوفيات يصل إلى 55% نتيجة صعوبة التشخيص المبكر بسبب تشابه الأعراض مع اضطرابات هضمية شائعة.
يقول الدكتور جيوفاني ترافيرسو (Giovanni Traverso)، كبير مؤلفي الدراسة وطبيب أمراض الجهاز الهضمي في قسم أمراض الكبد والمناظير بمستشفى ماساتشوستس العام: "نقص تروية الأمعاء حالة قاتلة غالبا ما تُشخّص متأخرا، أردنا إيجاد وسيلة أسرع وأكثر أمانا للكشف عنها قبل أن تتسبب في تلف دائم للأمعاء."
ابتكار مستوحى من اليراعة
الكبسولة الجديدة FIREFLI (اختصارا لـ Finding Ischemia via Reflectance of LIght) تعمل ببطارية صغيرة وتشبه في آليتها اليراعة (firefly) التي تصدر ضوءا بفضل إنزيم lucinferase الحساس لدرجة الحموضة.
عند ابتلاع الكبسولة، تبدأ بالعمل فور وصولها إلى الأمعاء الدقيقة، حيث تُصدر ضوءا خاصا ينعكس على الأنسجة المحيطة.
ويُظهر النسيج المصاب بنقص الأوكسجين انخفاضا في شدة الإضاءة، مما يسمح للنظام بتمييز الأنسجة السليمة من المتضررة في الوقت الفعلي.
تقوم الكبسولة بإرسال البيانات لاسلكيًا إلى جهاز محمول خارجي، ما يتيح للأطباء إمكانية تشخيص الحالة بشكل فوري ودون تدخل جراحي.
نتائج دقيقة في التجارب الحيوانية
في اختبارات أُجريت على تسعة خنازير، نجحت الكبسولة في تشخيص نقص تروية الأمعاء بدقة بلغت 90%،
مع حساسية 98% في تحديد الحالات المصابة، وخصوصية 85% في استبعاد الحالات السليمة.
ورغم وجود بعض النتائج الإيجابية الخاطئة، يؤكد الباحثون أن هذه النتائج تمثل إنجازا علميا غير مسبوق في مجال التشخيص غير الجراحي.
يقول ترافيرسو: "يجمع هذا العمل بين الهندسة الحيوية والطب لجعل حالة طبية خطيرة غير مرئية قابلة للاكتشاف بسرعة وبدون تدخل جراحي."
ميزات الكبسولة الثورية FIREFLI
تشخيص سريع ودقيق: يتيح الكشف عن المرض خلال دقائق بدلاً من ساعات.
غير جراحية وآمنة: لا حاجة للتصوير المعقد أو الإجراءات المؤلمة.
سهلة الاستخدام: تُبتلع مثل كبسولة دواء وتبث البيانات لاسلكيا.
قابلة للتطوير: يمكن استخدامها في المستقبل للكشف عن أمراض هضمية أخرى.
مناسبة للمناطق محدودة الموارد: لا تتطلب أجهزة تصوير متقدمة.
نحو جيل جديد من “الكبسولات الذكية”
يشير الباحثون إلى أن هذه التقنية قد تمهد الطريق لتطوير كبسولات طبية متعددة الوظائف قادرة على:
رصد الحالات المرضية الحيوية في الأمعاء.
نقل البيانات لاسلكيا للأطباء أو تطبيقات الهواتف الذكية.
إطلاق أدوية مستهدفة مباشرة داخل الأمعاء المتضررة.
يقول ترافيرسو: “هذه التقنية تمهد لعصر جديد من التشخيص الذكي الذي يربط الطب بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية”.
تطبيقات مستقبلية
يمكن أن تُحدث FIREFLI نقلة نوعية في تشخيص أمراض الجهاز الهضمي مثل:
القرحة الهضمية
التهابات الأمعاء المزمنة (كرونز والتهاب القولون التقرّحي)
السرطانات المعوية في مراحلها المبكرة
كما قد تساهم في تخفيف الضغط على غرف الطوارئ عبر تسريع عمليات الفرز، وتقليل الفحوصات المكلفة وغير الضرورية.
يُعد ابتكار كبسولة FIREFLI نقلة ثورية في عالم الطب الحديث، إذ يجمع بين الذكاء الاصطناعي، والهندسة الحيوية، وطب الجهاز الهضمي لتقديم وسيلة تشخيص سريعة وآمنة ودقيقة.
ومع استمرار تطويرها، قد تصبح هذه الكبسولة جزءا أساسيا من أدوات التشخيص المستقبلية في العيادات والمستشفيات حول العالم.