بينما ينشغل مطوّرو الذكاء الاصطناعي بمناقشة حدود الموجة الحالية من الابتكارات، يتجه المجتمع العلمي نحو مسار ثوري مختلف تماما: استخدام الخلايا العصبية البشرية الحية كأجهزة حوسبة .
هذه الفكرة لم تعد خيالا، بل أصبحت تجارب عملية تُظهر بوادر تقنيات قادرة على إعادة تعريف ما نعرفه عن الحوسبة وذلك بحسب موقع Gazeta.Ru .
ما الذي يميّز الحواسيب الحيوية عن الحواسيب التقليدية؟
يعتقد الباحثون أن أجهزة الحوسبة الكلاسيكية — مهما تطورت — ستعجز عن مجاراة قدرات أنظمة كمومية متقدمة، ومن هنا جاء البحث عن بدائل.
وتشير التجارب إلى أن الخلايا العصبية الحية تمتلك مزايا لا يمكن تحقيقها بالسيليكون، أبرزها القدرة الذاتية على التعلم والتكيف بسرعة وكفاءة.
وتشير التقارير إلى أن الجيل الأول من البيوكومبيوترات قادر بالفعل على:
التعرف على الأصوات البسيطة
لعب لعبة Pong الكلاسيكية
رغم أن قدراتها تبقى محدودة جدا في الوقت الحالي.
رحلة البحث: من تجارب الخمسينيات إلى العضويات الدماغية الحديثة
1. بدايات البحث منذ نصف قرن
تعود التجارب الأولى إلى عقود مضت، حيث وُضعت خلايا دماغية على مصفوفات من الأقطاب الكهربائية لدراسة استجابتها للمحفزات المختلفة.
2. مطلع الألفية بداية التواصل ثنائي الاتجاه
في أوائل الألفينات حاول العلماء لأول مرة إنشاء اتصال مباشر بين الخلايا العصبية والإلكترونيات، إلا أن المشروع لم يزدهر سريعا.
3. عام 2013 ظهور العضويات الدماغية (Organoids)
أظهر العلماء أن الخلايا الجذعية يمكنها تنظيم نفسها لتكوين هياكل ثلاثية الأبعاد تشبه المراحل الأولى من تكوّن الدماغ.
استخدمت هذه العضويات لاحقا في:
البحوث الدوائية
دراسة الأمراض
التجارب البيولوجية المعقدة
لكنها بقيت بدائية من حيث النشاط العصبي.
المفاجأة في عام 2022: خلايا تتعلم لعبة Pong
سُجلت نقلة نوعية عندما قدمت شركة Cortical Labs نموذجا من الخلايا العصبية تمكن من لعب Pong.
وقد أثار الحدث ضجة إعلامية ضخمة، خصوصا بعد استخدام عبارة «حسّ متجسّد» لوصف التجربة، وهي عبارة اعتبرها الكثير من علماء الأعصاب غير دقيقة ومضلّلة.
وفي 2023 ظهر مصطلح «الذكاء العضوي (Organoid Intelligence)»، الذي وصفه الباحثون بأنه جذاب إعلاميا، لكنه لا يعكس الحقيقة العلمية، إذ لا توجد أي قدرات تشبه الذكاء الاصطناعي المعروف.
هل تمتلك هذه الأنظمة وعيا؟ العلماء يجيبون
حتى الآن، لا تُظهر العضويات الدماغية أي مؤشرات على الإدراك أو القدرات المعرفية العليا.
ما تقوم به لا يتجاوز:
استجابات بسيطة
أنماط تعلم بدائية
تكيف محدود مع البيئة
التحدي الأكبر خلال السنوات المقبلة يتمثل في:
تحسين استقرار التجارب
زيادة حجم وتعقيد النموذج العصبي
إيجاد تطبيقات عملية قابلة للاستخدام
ومن بين الاستخدامات المحتملة:
اختبار سمّية المواد
محاكاة نوبات الصرع
دراسة تأثير المواد الكيميائية على نمو الدماغ
تحديات أخلاقية معقّدة تنتظر العالم
بينما تتقدم التكنولوجيا بسرعة، لا تزال القوانين الحيوية والأخلاقية متأخرة.
فالأنظمة الحالية تتعامل مع العضويات الدماغية كنماذج طبية، وليس كعناصر في أنظمة حوسبة، مما يخلق فراغا تشريعيا يحتاج إلى معالجة عاجلة.
يحذّر الباحثون من أن التطوير التجاري أسرع من وضع القوانين، مما قد يثير قريبا نقاشات جوهرية حول:
الوعي المحتمل لهذه الأنظمة
الحقوق الأخلاقية
حدود استخدام الخلايا البشرية في التكنولوجيا
هل سنشهد ذكاء عضويا؟
لا تزال البيوكومبيوترات في بداياتها، لكن سرعة التقدم تشير إلى أننا قد نصل إلى مرحلة تتطلب نقاشات حول الوعي والمسؤولية والحقوق قبل أن نتوقعه.
هذه التكنولوجيا قد تمتزج يومًا ما بين البيولوجيا والإلكترونيات لخلق جيل جديد من الحوسبة يتجاوز حدود ما نعرفه.