كشف باحثون من كلية طب الفم بجامعة غرب الصين – جامعة سيشوان عن خلايا فريدة من نوعها قادرة على "معرفة" متى وأين وكيف تنمو الأسنان داخل الجنين، هذا الاكتشاف، المنشور في مجلة International Journal of Oral Science، قد يُحدث ثورة في مجال الطب التجديدي وزراعة الأسنان الحيوية باستخدام الخلايا الجذعية.
مراحل تكوّن السن: من البادرة إلى الجذر
تُعد عملية تكوين السن واحدة من أكثر العمليات البيولوجية تعقيدا، حيث تمر بثلاث مراحل رئيسية: مرحلة البرعم (bud)، مرحلة الغطاء (cap)، ومرحلة الجرس (bell)، يليها تطور الجذر وتصلب العظم المحيط.
ويُعد التفاعل بين الأنسجة الظهارية والأنسجة المتوسطة (epithelial-mesenchymal interactions) عاملا حاسما في تحديد شكل وموقع السن.
من المعروف أن السن يبدأ كبادرة صغيرة من الخلايا الظهارية السطحية، ثم يتعمق في الأنسجة المتوسطة ليأخذ شكل الغطاء، وبعدها يتطور إلى الجرس الذي يكوّن المينا والعاج واللثة.
تجربة علمية دقيقة تكشف دور موقع الخلايا
قاد فريق البحث الدكتور هان سونغ جونغ من جامعة يونسي – كوريا، حيث فصل الباحثون الخلايا المتوسطة في الجهة اللسانية (الداخلية) والخدية (الخارجية) لجنين فأر في مرحلتي الغطاء والجرس، ثم قاموا بمقارنة الملامح الجينية لكل مجموعة باستخدام تقنية RNA-seq وتحليل Gene Ontology.
بعد ذلك، زرع الفريق خلايا الغطاء اللسانية والخدية بشكل منفصل تحت كبسولة الكلية لفئران منزوعة المناعة، بهدف معرفة ما الذي سيتحول إليه كل نوع من الخلايا.
خلايا تعرف دورها وموقعها بدقة
كشفت التحاليل أن الخلايا الموجودة على الجانب اللساني هي المسؤولة عن تشكيل بنية السن والمينا، بينما الخلايا على الجانب الخدي كانت أكثر نشاطا في تكوين الأنسجة المحيطة والداعمة للسن.
وعندما خلط العلماء بين الخليتين بشكل عشوائي، لاحظوا أن الخلايا اللسانية استطاعت إعادة تنظيم نفسها والعودة إلى موقعها الأصلي لتكوين المينا مجددا — وهي ظاهرة تُعرف باسم التنظيم الذاتي الخلوي (Cellular Self-Organization).
إشارات جزيئية تحدد مصير الخلايا
أظهر التحليل الجزيئي أن الخلايا اللسانية تتميز بنشاط عالٍ في مسارات WNT وR-spondins (Rspo1/2/4)، مما يؤدي إلى تكاثر أسرع، موت خلوي أقل، وهجرة أعلى — وهي خصائص مثالية لتكوين السن.
في المقابل، أظهرت الخلايا الخدية زيادة في مثبطات BMP، مع تكاثر منخفض وموت خلوي أعلى، مما يجعلها أكثر ملاءمة لتكوين العظم والأنسجة المحيطة
نحو طب أسنان تجديدي مستقبلي
خلص الباحثون إلى نموذج يشرح كيفية تحديد الخلايا لمواقعها على المحور اللساني-الخدي أثناء تطور الأسنان، وكيف تحدد هذه المواقع مصير كل خلية وما ستتحول إليه لاحقا.
ويؤكد الدكتور جونغ أن هذا الفهم الجديد قد يُحدث تحولا كبيرا في مجالات هندسة الأنسجة والطب التجديدي، قائلا:
"معرفة كيف ولماذا تتطور الأسنان بهذه الدقة ستفتح الباب أمام تجديد الأسنان باستخدام الخلايا الجذعية بدلا من الزرع الصناعي."
خلاصة الاكتشاف
هذا البحث يمثل اختراقا علميا في فهم الأساس الجزيئي لنمو الأسنان، ويمنح العلماء أدوات جديدة لتطوير علاجات لترميم الأسنان الطبيعية بدقة بيولوجية، مما قد يغيّر مستقبل طب الأسنان الحديث جذريا.