يُدهشنا منظر ثمار القرع العملاقة في كل خريف، فبعضها يتجاوز مئات الكيلوغرامات بينما لا يتعدى وزن أكبر ثمرة توت بري بضع عشرات من الغرامات فقط.
فما الذي يجعل القرع قادرا على النمو بهذه الضخامة، في حين يظل التوت صغيرا مهما طال نموه؟
القرع العملاق بلا فرامل جينية
وفقا لتقرير نشره موقع Наука Mail (علوم ميل)، ينتمي القرع العملاق من صنف Atlantic Giant إلى نوع Cucurbita maxima، وهو نبات غير محدد النمو (Indeterminate).
بمعنى آخر، هذا النبات لا يمتلك آلية وراثية توقف نموه، فيستمر في التمدد طالما تتوافر الحرارة وأشعة الشمس.
تواصل سيقانه وأوراقه النمو بلا توقف، مضخةً المزيد من الطاقة نحو الثمرة.
إنه أشبه بمحرك بلا مكابح، يوجّه كل طاقته نحو هدف واحد: النمو المستمر.
ثمرة واحدة تُغذّى بكل طاقة النبتة
يستغل المزارعون هذه الخاصية الذكية بترك ثمرة قرع واحدة فقط على النبتة، مما يجعل جميع المغذيات تتدفق إليها وحدها.
وهكذا، يمكن أن يزداد وزنها بمعدل 20 كغ في اليوم الواحد.
أما الفواكه الأخرى مثل التفاح أو التوت، فلن تتحمل مثل هذا العبء، إذ ستنفصل عن أغصانها بفعل وزنها الزائد قبل أن تبلغ حجماً كبيراً.
قشرة قوية ومرنة في الوقت نفسه
من أسرار نمو القرع العملاق أيضا تركيب قشرته الفريد.
فهي قوية بما يكفي لمنع الانفجار، لكنها في الوقت نفسه مرنة لتتمدد دون أن تتشقق.
إذا أصبحت القشرة قاسية جدا، يتوقف النمو، وإن أصبحت رقيقة جدا، تنفجر الثمرة.
ولذلك يحرص المزارعون على تغطية القرع بظل خفيف ليحافظوا على مرونة القشرة طوال فترة النمو.
شبكة تغذية داخلية عالية الكفاءة
يملك القرع العملاق نظاما داخليا متطورا لنقل المغذيات يعرف بـ اللحاء (Phloem)، وهو شبكة من الأوعية النباتية التي تنقل السكريات والطاقة من الأوراق إلى الثمرة.
كلما زادت هذه “الطرق الحيوية”، تسارعت عملية نقل الطاقة، فتنمو الثمرة بسرعة مذهلة وتخزن كمًّا هائلا من المواد الغذائية في وقت قصير.
180 يوما من النمو المستمر والانتقاء البشري
تستغرق ثمرة القرع العملاق نحو 180 يوما لتصل إلى حجمها النهائي — أي نصف عام من النمو المتواصل.
لكن العامل الحاسم وراء هذه الضخامة هو الانتقاء البشري عبر الأجيال.
فالمزارعون على مدى عقود طويلة اختاروا أكبر الثمار في كل موسم واحتفظوا ببذورها، مما أدى إلى ظهور سلالات قادرة على النمو إلى أحجام قياسية.
صحيح أن الطعم تراجع أمام السعي وراء الحجم، لكن النتيجة كانت ظهور أبطال حقيقيين في عالم النبات!
التوت والقرع: درسان من الطبيعة
بينما يُظهر القرع العملاق ما يمكن أن تفعله الوراثة غير المحدودة، يبقى التوت مثالا للتوازن الطبيعي.
فأغصانه الرفيعة لا تتحمل وزنا كبيرا، وبنيته الوراثية تُبقي ثماره صغيرة لكنها غنية بالعناصر الغذائية.
إنها مفارقة طبيعية جميلة بين النمو غير المحدود والاقتصاد الحيوي، تعكس تنوع تصميم الكائنات في الطبيعة.