في لحظة دقيقة يمرّ بها لبنان والمنطقة، اتّخذ فخامةُ رئيسِ الجمهوريةِ قراراً حاسماً بتوجيهِ الجيشِ اللبنانيِّ إلى التَّصَدّي لأيِّ توغلٍ أو اعتـ.ـداءٍ "إســـ..ـرائيـليّ" على الأراضي اللبنانية، وذلك بعد الاعتـ.ـداءِ الأخيرِ، في بلدةِ بليدا الحدودية، الذي أودى بحياةِ الشــهــيدِ الموظفِ إبراهيم سلامة.
لم يكن القرارُ مجرّدَ ردٍّ على خرقٍ أمني محدود، بل جاء بمثابةِ إعلانِ موقفٍ سياديٍّ جامعٍ يُعَبِّرُ عن إرادةِ الدولةِ في الدفاعِ عن كرامتِهاوأرضِها، وعن رفضِها أن تبقى الاعتـ.ـداءاتُ "الإســــرائيـليةُ" أمرًا واقعًا يمرُّ من دون حساب.
قرارٌ سياديٌّ بامتياز: الدولةُ تستعيدُ زمامَ المبادرة.
منذ سنوات طويلة، كانت الدولة اللبنانية تُنتقد على غياب ردّها المباشر على الاعتـ.ـداءات "الإســـ..ـرائيـلية". أما اليوم، فإن القرار الرئاسي بإعطاء الأمر للجيش بالتصدي يشكّل تحوّلًا نوعيًا في المقاربة الرسمية، إذ يضع المؤسسة العسـ.ـكرية في موقع الفعل لا ردّ الفعل، ويعيد الاعتبار لدور الدولة كضامن وحامٍ للسيادة.
بهذا الموقف، أعاد الرئيس التأكيد على أن الجيش اللبناني ليس جيش مراقبة أو انتظار، بل جيش مـ.ـقاوم بزيٍّ رسمي، يُعبّر عن إرادة شعبٍ لا يقبل الإهانة.
"إســـ..ـرائيـل" لا تفهم إلا لغة القوّة.
منذ قيام الـ..ـكــ..ــيان الصهيـ.ـوني، أثبتت الوقائع أن "إســـ..ـرائيـل" لا تفهم إلا لغة القوّة.
كلما تراجع الموقف العربي، تقدّمت "إســـ..ـرائيـل" وتمادَت في اعتـ.ـداءاتها، وكلما واجهتها إرادة صلبة وموقف شجاع، تراجعت وأعادت حساباتها.
القرار اللبناني الأخير يعيد التأكيد أن الرَّدعَ لا يصنعُهُ الضعف، بل الإرادةُ والقدرةُ والاستعداد، وأنَّ لبنان، رغم إمكاناته المحدودة، يمتلك عناصر قوةٍ كفيلة بإفشال أي مغامرة "إســـ..ـرائيـلية" جديدة.
معادلة الجيش والشعب والمـ.ـقاومة.
في وجه التحولات الإقليمية والدولية، يبقى الثابت الأساسي في المعادلة اللبنانية هو وحدة المسار والمصير بين الجيش والشعب والمـ.ـقاومة. هذه المعادلة لم تكن يومًا عبئًا على الدولة، بل كانت صمّام أمانها الحقيقي؛ بفضلها تحرر الجنوب عام 2000، وبفضلها صمد لبنان في وجه الـعـ.دوان "الإســـ..ـرائيـلي" عام 2006، وبفضلها عاش لبنانُ ويعيشُ اليوم في ظلِّ توازنِ ردعٍ غيرِ مسبوق.
إنَّ مَنْ يسعى إلى تفكيكِ هذه المعادلةِ إنَّما يعمل، عن قصدٍ أو عن جهل، على إضعافِ قدرةِ لبنانَ الدفاعية، وفتحِ البابِ مُجَدَّدًا أمامَ الـعُـ.دوان.
تناقض الفريق المعارض: شعارات تتبدّل مع الريح.
المفارقة اللافتة اليوم أن الفريقَ المناهضَ للمـ.ـقاومة، الذي طالما ردّدَ شعارَ "الجيشُ وحدَهُ يحمينا"، هو نفسُه ُالذي يعترضُ اليومَ على قرارِ الرئيسِ بإيكالِهِ للجيش مهمّةَ التصدّي للعُدوان، مُتذرِّعًا بأنَّ "الجيشَ ضعيفٌ" و"لا يجبُ زجُّهُ في مـ..ـواجهةٍ مع إســـ..ـرائيـل.
فأي منطق هو هذا؟
كيف يمكن لفريقٍ أن يطالبَ بأن يكونَ الجيشُ وحدَهُ مسؤولًا عن الحماية، ثمّ يتراجعُ حين يُطلبُ من الجيش أن يقومَ بدوره؟
إن هذا التناقضَ يكشفُ عن أنَّ الاعتراضَ ليس على الأسلوبِ بل على جوهرِ الموقفِ الوطنيِّ نفسه، وأنَّ بعضَ الخطاباتِ المعارضةِ تفتَقِرُ إلى الثباتِ في المبدأ، وتغلِبُ عليها الحساباتُ السياسيةُ الضيقةُ، على حسابِ الكرامةِ الوطنية.
الجيشُ لن يكونَ وَحْدَهُ.
في اللحظة التي سيقررُ فيها الجيشُ التصدِّيَ لأيِّ عدوان، لن يكونَ وحيدًا. فالشعبُ اللبنانيُّ، بكلِّ أطيافِه، سيقفُ خَلْفَ مؤسستِهِ العسـ.ـكرية، لأنَّ الدَّم
َ الذي يسيلُ في بليدا، أو عيتا الشعب، أو كفركلا، هو دمُ كلِّ اللبنانيين.
أما المـ.ـقاومةُ، فهيَ الضمانةُ الواقعيةُ بأنَّ أيَّ عُدوانٍ لنْ يَمُرَّ بلا ثمن، وهي العُنـصـرُ المُكَمِّلُ الذي يجعلُ من قرارِ الجيشِ قرارًا عمليًا قادرًا على ردعِ الـعـدوّ لا على تسجيلِ المواقفِ فقط.
إنَّ الشراكةَ بينَ الجيشِ والشعبِ والمقاومةِ هي وحدَها"المعادلةُ الذهبيةُ"التي ترسم خريطةَالقوَّةِ اللبنانيةِ الحقيقية، وتجعلُ مِنْ كُلِّ خَرْقٍ لِلسِّيادةِ مغامرةً مُكْلِفَةً لـ"إســــرائيـل".
القرار بين الداخل والخارج: رسائل في الاتّجاهين.
داخليًا، يرسل قرار الرّئيسِ رسالةً إلى اللبنانيينَ مُفادُها: أنَّ الدولةَ ما زالتْ موجودة،وأنّ مؤسساتِها قادرةٌ على اتِّخاذِ مواقفَ سياديةٍ، بعيدًا عن التجاذُبِ السياسيّ.
أما خارجيًا، فهو يوجِّهُ رسالةً حازمةً إلى الـعدوِّ "الإسـرائيـليّ" وإلى المجتمعِ الدَّوْلِيِّ مُفادُها: أنَّ لبنانَ ليس ساحةً مُستباحة، وأنَّ صَبْرَهُ ليس ضعفاً، بل حكمة.
بهذا المعنى، فإنَّ القرارَ لا يحملُ، فقطْ، بُعداً عسـ.ـكرياً، بل أبعاداً سياسيةً وإستراتيجيةً تؤكِّدُ أنَّ لبنانَ يمتلكُ إرادتَهُ الحُرّة، وأنَّ وَحدتَهُ الداخليةَ هي سـ..ـلاحُهُ الأقوى، في مـ..ـواجهةِ الأطماعِ "الإســــرائيـلية".
الإعلامُ والمزاجُ الشعبيّ: بينَ الغضبِ والتأييد.
الشارعُ اللبنانيُّ تلقّى القرارَ بمزيجٍ من الغضبِ على الجريمة والتأييدِ للموقفِ الرسميّ. فالمواطنُ الجنوبيُّ الذي يعيشُ على تماسٍّ مباشَرٍمعَ الاعتداءات، شَعَرَ للمرَّةِ الأولى منذُ فترةٍ طويلة،أنَّ الدولةَتتحدثُ بصوتِه، وأن دماء الشهداء لن تُترك دونَ رد.
حتّى في الوسطِ الإعلاميّ، ظهرتْ ملامحُ وعيٍٍ وطنيٍّ جديدٍ يدعو إلى وَقْفِ المُزايداتِ والِانقِسام، والالتفافِ حولَ الجيشِ، باعتباره رمزَ وَحدةِ اللبنانيين، لا أداةً في الصراعِ السياسيّ.
خاتمة: لبنانُ لن يُستباح.
لقد جاء قرارُ الرئيسِ عون لِيَقولَ بوضوحٍ: إنَّ لبنانَ لن يُستباحَ،وأنَّ مَنْ يَظُنُّ أنَّ الانقسامَ الداخليَّ يُضعِفُ إرادتَهُ مخطئ.
فما دامَ الجيشُ ثابتاً في موقِعِهِ، والمـ.ـقاومةُحاضرةً في الميدان، والشعبُ مؤمناً بِحَقِّهِ في الدِّفاع، فلنْ تنجحَ "إسـرائيـلُ"وأميركافي فرْضِ واقعٍ جديد.
إنَّ الدمَ اللبنانيَّ ليسَ رخيصًا، والسيادةَ ليستْ وِجهةَ نظر.
ومن بليدا إلى كلِّ شِبْر ٍمِنَ الجنوب، يُكتَبُ مِنْ جديدٍ: أنَّ لبنانَ لا يعيشُ على المساومةِ بل على الكرامة، وأنَّ معادلةَ:"جيش - شعب - مـ.ـقاومة" ليست خياراً مؤقتاً، بل قدرَ وَطَنٍ قرَّرَ أنْ يحيا عزيزاً، أو أن لا يحيا على الإطلاق.